للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عصرنا يجب أن يعرف الواقع بما يمر فيه من تيارات وأحداث تتغير. وعملية التغير في الزمان والمكان والإنسان هذه أمور مهمة.

أعجبني في كلام الشيخ الضرير بالأمس حيث يقول: يجب أن ندقق فيما يقوله العلماء، أحيانا نقول العلماء قالوا كذا، إنما هل العلماء حينما قالوا، قالوا في مثل هذه الواقعة؟ وهل الواقعة في زمنهم كانت بحجم الواقعة في زماننا؟ وهل لها ملابسات مثل هذه الملابسات؟ وهل لها آثار مثل هذه الآثار؟ يجب أن نراعي الزمان والمكان والحال كما قال الإمام ابن القيم في (إعلامه) ، وكما قال القرافي في (إحكامه) ، وكما قاله في (فروقه) أيضا، وقاله ابن عابدين في رسالته المعروفة (نشر العرف فيما بني من الأحكام على العرف) ، وقالتها مجلة (الأحكام العدلية) في المادة التاسعة والثلاثين منها: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان. إن كنت أود أن يقول: الأحكام الاجتهادية أو الأحكام الظنية أو غير ذلك حتى لا يشتمل كل الأحكام، وأيضا تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال كما ذكر الإمام ابن القيم، وكانت عبارته أدق وأعمق حينما قال: (الفتوى) ولم يقل (الأحكام) ، أي تنزيل الحكم على الوقائع هو الذي يتغير بتغير الزمان والمكان.

كذلك أيضا اعتبار المصالح الملغاة، إلى آخره، لابد أن أطيل ولكن أريد أن أنبه على هذه المزالق الخطرة التي يقع فيها الذين يتعرضون للفتوى في عصرنا وخصوصا أن عصرنا تذاع فيه الفتاوى وتنشر ويعرفها الناس، وقد قال النبي صلى الله عيه وسلم فيمن أفتوا لرجل عنده جراحة أفتوه بأن يغتسل فاغتسل الرجل فمات من جراحته، تفاقمت الجراحة عليه فمات، فقال صلى الله عليه وسلم: ((قتلوه قتلهم الله، هلا سألوا إذا لم يعلموا)) اعتبرهم قتلة، ودعا عليهم ((قتلواه قتلهم الله، هلا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما كان يكفيه أن يعصب على جرحه ويتيمم ...)) إلى آخر. فمن الفتاوى ما يقتل، ومن الفتاوى ما لا يقتل فردا فقط بل ربما يقتل مجتمعا بأسره.

أسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>