ولقد ألم الفقيه الشاعر العلامة الحاج أحمد بنشقرون رئيس المجلس العلمي بفاس بهذه المظاهر من الأوقاف بالمغرب وسجلها في قصيدة قال فيها:
اصخ تدر ما أسدى أخ الذوق من جدا وفي حبيس يستحسن السبق للخير
إذا عطب اللقلاق يوماً فإنه بمال من الأوقاف يجبر من كسر
وإن لم تجد أنثى مكاناً لعرسها فدار من الأوقاف تنقذ من فقر
وإن لم تجد عقد الجيد فإنه يعار من الأوقاف يوصل للخدر
وإن جن مجنون، فإن علاجه بمال من الأوقاف يصرف للفور
تعالج موسيقى دماغاً من الأذى بها يعزف الفنان مبتسم الثغر
وقد أوقفوا جبر الأواني، ربما يهشمها طفل، فتقطع من أجر
ولكن بمال الوقف يأخذ غيرها بلا عوض منه، فيسلم من خسر
وقد أوقفوا دار الوضوء لنسوة يردن صلاة في حياء وفي ستر
وقد أوقفوا وقفاً يخص مؤذناً يؤذن للمرضى بعيداً من الفجر
ليكشف عنهم من كثافة غربة حجاب ظلام الليل والسقم والوتر
مبرات أوقاف الألى قصدوا إلى معان من الإحسان جلت عن الحصر
وقد عنى المغرب بتسجيل الأوقاف في مختلف العصور ومحاسبة النظار ومراقبتهم، ووضعت الحوالات الحبسية منذ العهد المريني وهي دفاتر تسجل الأملاك الحبيسة العقارية والمنقولة، ومستفاداتها وصوائرها وتتضمن نصوصاً عدلية تثبت ملكيات المحبسين وكل الوثائق المرتبطة بها، وعقود المعاوضات والمناقلات، وحالة تلك الأملاك ووسائل استغلالها، إلى غير ذلك من المعلومات المفيدة، وقد تضمنت الحوالات الإسماعيلية لمكناس ظهائر تحبيساته وظهائر تعيينه لبعض النظار وكل ما تم إنشاؤه من سجلات حبسية في عهده، فالحوالات إذن هي ديوان الوقف المغربي وسجله الحافل الدال على ما وصل إليه المغرب القديم الأصيل من تقدم وعناية ورعاية للأوقاف الإسلامية.