للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الآلوسي البغدادي في تفسيرها: "كلكم من آدم وحواء، فالكل سواء في ذلك، فلا وجه للتفاخر بالنسب ". وهذا يفند ادعاء اليهود بأنهم شعب الله المختار، أو كل دعوة ترمي إلى أفضلية لشعب عن شعوب الأرض على أي شعب آخر، كما يؤخذ منه ومن غيره من التفاسير بأن كلمة شعوب تأتي نبذًا للتفاخر بأي لون أو جنس أو سلالة، ثم أتبعت بلفظة التعارف ليتم التعاون والتآخي، وعندما تستكمل المبادئ التي يدخل فيها جميع أبناء آدم، بقطع النظر عن أية مؤهلات، توضع بأيديهم المثل التي يمكن أن يكون تفاوتهم بحسب النسبة التي يحصل عليها كل واحد منهم، وذلك عند قول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] .

إن سبب نزول هذه الآية كفيل إذا نشره المسلمون بأن يشد أبناء البشرية إلى ما يتميز به الإسلام من ضمان للحريات العامة والمساواة الكاملة لكل الناس، ففي إحدى الروايات الراجحة أنه لما كان يوم فتح مكة أذن بلال على ظهر الكعبة، فغضب الحارث بن همام وعتاب بن أسيد وغيرهم من كبار قريش ممن دخل عليهم الإسلام، فقالوا: "أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة؟! "فنزلت الآية السابقة. وقد حكي أيضًا عن ابن عباس أن سبب نزولها قول ثابت بن قيس لرجل يفسح له عند النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن فلانة، فوبخه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((إنك لا تفضل أحدًا إلا في الدين والتقوى)) ، ثم نزلت آية المساواة هاته. ولأبي داود في مراسيله وابن مردويه والبيهقي في سننه عن الزهري قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم، فقالوا: يا رسول الله أنزوج بناتنا موالينا؟ فأنزلت هذه الآية. وعن زيد بن شجرة، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق المدينة فرأى غلامًا أسود يقول: من اشتراني فعلى شرط ألا يمنعني من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اشتراه رجل، وبعد مدة مات العبد فأتاه الرسول عليه الصلاة والسلام فتولى غسله ودفنه، فاستعظم المهاجرون والأنصار ذلك، ودخل عليهم منهم أمر شديد!! فنزلت الآية.

ويكرس هذه المساواة ما وقع يوم الفتح، عندما طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته يستلم الأركان بمحجنه، فلما خرج لم يجد مناخًا، فنزل على أيدي الرجال فخطبهم فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: ((الحمد لله الذي أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتكبرها، يا أيها الناس؛ الناس رجلان، بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، الناس كلهم بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب)) ، ثم تلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ.....} الآية

وأكد على هذا المبدأ في حجة الوداع عندما خطب وسط أيام التشريق فقال: ((يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وأباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. الآية، ثم قال: هل بلغت؟ اللهم فاشهد)) (١) .


(١) انظر هذه الأقوال في تفسير الآية الكريمة في تفسير الألوسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>