للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سر هذا الفضل

أن هذا التفضيل الذي صرحت به النصوص ليس اعتباطا، وإنما كان لأن الأمة الإسلامية استقامت على منهج الله، فالإسلام هو الذي صنع هذه الأمة، فقد بني عقيدتها، ورسم منهجها وطريقها، وأقام أخلاقها وقيمها، وتأمل في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} . (١) . تجد أن كلمة (جعلناكم) ليس معناها خلقناكم، وإنما المعني الصحيح هو صيرناكم أمة وسطا، وإنما صيرها الله كذلك بدينه المنزل، عندما استقامت على الخصائص التي رسمها رب العالمين، وتستطيع أن تلحظ هذا المعني في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} . (٢) .

فها هنا مخرج وهو الله، ومخرج وهو هذه الأمة، وأداة حصل بها الإخراج على هذا النحو وهو الإسلام، فبالاستقامة على الإسلام تحققت الأفضلية.

إذن ليست الأفضلية والخيرية لقبا أطلق على هذه الأمة من غير مضمون، ولكنه عنوان لحقيقة تجسدت في هذه الأمة، فقد سما هذا الدين بهذه الأمة في عقيدتها وتفكيرها وتوجهات قلوبها وأقوالها وأعمالها ونظمها، حتى مثلت الأنموذج الفاضل الذي يريده الله تبارك وتعالى للبشرية.

وهذه الأفضلية مرهونة باستمرار هذه الخصائص في هذه الأمة، فإذا تدنت هذه الخصائص أو انحرفت أو زالت، فإن الخيرية تتناقض أو تضمر أو تضعف. وهذا هو السر في تخلف هذه الأمة في عصرنا، والسبب فيما أصابها من فرقة واختلاف، وما رماها به الأعداء من بلايا ومصائب.

أن أفضلية هذه الأمة تتلخص بأخذها بهذا الدين في نفسها، ودعوة الناس إلى الحق الذي قرره هذا الدين، ونهيهم عن الباطل الذي نهاهم عنه هذا الدين، مع تحقيق الإيمان وفق ما جاء به الإسلام {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . (٣)


(١) البقرة: الآية (١٤٣)
(٢) آل عمران: الآية (١١٠)
(٣) آل عمران: الآية (١١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>