للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحق كفله الله عز وجل في كتابه وهو الرضا لكل من يملك، من حقه إذا كان يملك سلعة ويريد أن يبيعها بمطلق رضاه، وله مطلق التصرف، وهذا ما كفلته الشريعة للمالك الحقيقي لأي سلعة، بينت السنة هذا الحق، عندما قال الناس للنبي صلى الله عليه وسلم غلا السعر يا رسول الله فسعر لنا، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعر، وقال: ((إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال)) . والنبي صلى الله عليه وسلم هو أرأف الناس بالمسلمين، ولو كان هنالك أي حرج يشكو منه المسلمون، وكانت فيه وسيلة معينة لأن يحدد السعر لفعل، ولكنه بما أوتي من مجامع الكلم ذكر أن هذه مظلمة، وهي في الحقيقة مظلمة، لأنها تنفي حقًّا مؤكدًا في كتاب الله تعالى، وهي هذا الرضا الذي كفله الله تعالى للمتبايعين، لأنهما يملكان هذه السلعة من حقهما. النبي صلى الله عليه وسلم أكد أن هذه المسألة مظلمة وفي رأيي في كل العصور تظل مظلمة أن يتدخل الوالي لتحديد السعر، وقد أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك، لكن هل وقف الشارع الكريم عند هذا الحد، وجلس يترك هذه الفئة تهيمن على الناس وتأكل أموالهم؟ أبدًا هنالك حديث مهم جدًّا أوردته في البحث وما أظن عددًا من البحوث الأخرى أورد هذا الحديث، وهو حديث صحيح بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم - بينما رفض أن يحدد الأسعار، أو أن يأتي بهذه المظلمة، لكن بين فيه قاعدة مهمة جدًا – والحديث هو حديث صحيح رواه مسلم والبخاري وغيرهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع حاضر لباد، ودعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) فالمتأمل لهذا الحديث يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد فيه حرية التجارة، وحرية التجارة هذه من المسائل – اليوم – التي تعرف فيها الاتفاقيات والمبادلات بين الدول، وبين الأشخاص، وتراقب الدول بعضها بعضًا مراقبة شديدة، في مدى ما تكفله هذه الدولة من حرية وما تكفله لبضائعها، وما تكفله الدولة الأخرى، فأصبح هذا مبدأ هامًّا للنشاط التجاري الصحي بين الدول وبين الأفراد، وأكده النبي صلى الله عليه وسلم منذ زمن بعيد ورفض التسعير لأنه مظلمة ولكنه قال: ((لا يبع حاضر لباد)) ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه المسألة كما ذكر شراح الحديث ((لا يبع حاضر لباد)) هي أن يأتي البدوي بسلعة يريد التسارع في بيعها، مثل الخضار، اللحم، الفواكه، من هذه الأشياء يأتي بها، يريد أن يبيعها سريعًا ويرجع، فيأتي إليه الحضري ويقول له: دعني أغالي لك في بيعها، وكما ذكر ابن عباس في شرح هذا الحديث قال: أن يكون له سمسارًا، فقال: منع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، لأن في ذلك إضرارًا بالغير، فإذن هذا الحديث فيه مبدأ مهم جدًّا في المسألة التي نناقشها الآن وهي أنه بينما أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن التسعير مظلمة وسلب الحق أكده الله عز وجل في كتابه الكريم، بين أن لولاة الأمور – وقد بدأ ذلك الفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولنا فيه أسوة – أن لهم التدخل بكل الوسائل الممكنة، وبكل الطرق الممكنة للحد من الغلاء، فتصرفه بأن منع أن لا يبيع حاضر لباد، هذا تصرف واضح، والحكمة منه واضحة، وإذن لولاة الأمور أن يقفوا ويمتنعوا عن هذه المظلمة، وهي في الحقيقة ليست مظلمة فقط، بل تكفل للناس حرية الرضا وحرية التجارة وحسن التعامل بين الناس، لكن في نفس الوقت للدولة إذا تحرت ووجدت أن هنالك أي عوامل أو أي عناصر أو أي مجموعة من الناس تعمل وتخطط أو تجهد لكي ترفع لأسعار وتغنى – كما هذه الفئة من الناس التي ذكرها فضيلة الشيخ المقدم – على الدولة أن تحاربها بكل الوسائل للدولة أن تسن من اللوائح ما يكفل سوقًا صالحة، ورخاء في الأسواق، وعلى الناس طاعة هذه الدولة في هذه المسألة، والمسائل التي – أيضا – تقوم بها الدولة هي على الدولة وعلى ولاة الأمور في الدول الإسلامية مهام عظيمة وهي توفير البضائع للناس، وهذه مسألة – طبعًا- حسب ما يفتح الله عز وجل إذا توفرت هذه البضائع صارت السوق سوقًا حرة وللناس حرية التعامل فيها وحرية والتداول، وكذلك في رأيي أن على الدولة الصالحة التي تقتدي أو تشعر بواجبها في هذا الدين أن تحيي ضمائر الناس بالتقوى، النبي صلى الله عليه وسلم مدح التاجر الصدوق الأمين، وقال: إنه مع النبيين والصديقين والشهداء، وبين الخيارات المختلفة حتى تكفل هذا الرضا، وهذا التسامح في البيع، فإذن الدولة يجب زيادة على ما يجب تكفله من وفرة البضائع حتى تحارب السوق السوداء وغيرها من الأشياء، وما تكفله الدولة أيضًا من إحياء الضمائر بالتقوى والعمل الصالح والنزاع بين الناس في هذه الأمور، أنا في رأيي هذه مهمة كبيرة جدًّا على ولاة الأمور، وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق في التدخل، وشكرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>