للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالفة العرف ظاهر الرواية

إذا كانت المسائل الفقهية ثابتة بضرب اجتهاد ورأي، وكثير منها ما بينه المجتهد على ما كان في عرف زمانه، - بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولًا – قالوا في شروط الاجتهاد أنه لا بد فيه من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو لفساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكيم على ما كان عليه أولًا للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن أحكام.

ولهذا: ترى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذًا من قواعد مذهبه.

فمن ذلك: إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المسلمين التي كانت في الصدر الأول، ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم.

وكذا أخذ الأجرة على الإمامة وآذان كذلك – مع أن ذلك مخالف لما اتفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف من عدم جواز الاستئجار، وأخذ الأجرة عليه كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة ونحو ذلك.

ومن ذلك: قول الإمامين بعدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادات مع مخالفته لما نص عليه أبو حنيفة بناء على ما كان في زمنه من غلبة العدالة، لأنه كان في الزمن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية، وهما أدركا الزمن الذي فشي فيه الكذب.

وقد نص العلماء على أن هذا الاختلاف: اختلاف عصر وأوان لاختلاف حجة وبرهان.

ومن ذلك تضمين الساعي مع مخالفته لقاعدة المذهب، من أن الضمان على المباشر دون المتسبب، ولكن أفتوا بضمانه زجرًا بسبب كثرة السعاة المفسرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>