للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا تعارف الناس استعماله لشيء عينًا كان ذلك بحكم الاستعمال كالحقيقة فيه. لوجود إمارة الحقيقة وهي: المبادرة إلى الفهم.

وما سوى ذلك – لانعدام العرف – كالمهجور لا يتناوله إلاَّ بقرينة.

ومثل السرخسي لذلك: بالدرهم. فقال:

ألا ترى أن اسم الدرهم عند الإطلاق يتناول نقد البلد لوجود العرف الظاهر في التعامل به. ولا يتناول غيره إلاَّ بقرينة لترك التعامل به ظاهرًا في ذلك الموضع، وإن لم يكن بين النوعين فرق فيما وضع الاسم له حقيقة (١)

بيان هذا في اسم الصلاة: فإنها للدعاء حقيقة قال القائل: وصلى على دنها وارتسم.

والصلاة مجاز للعبادة المشروعة بأركانها: سميت به لأنها شرعت للذكر، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} وفي الدعاء ذكر وإن كان يثوبه سؤال.

ثم عند الإطلاق – صلاة – ينصرف هذا اللفظ إلى العبادة المعلومة بأركانها سواء كان فيها دعاء أو لم يكن كصلاة الأخرس. وإنما تركت الحقيقة للاستعمال عرفًا.

وكذلك الحج: فإن اللفظ للقصد حقيقة، ثم سميت العبادة بها لما فيها من العزيمة والقصد للزيارة. فعند الإطلاق: الاسم يتناول العبادة للاستعمال عرفًا (٢) .

وقال (عبد العزيز البخاري) ..، ومن العادة نقله إلى معناه المجازي عرفًا واستفاضته فيه كوضع القدم في قوله: لا أضع قدمي في دار فلان. ويسمى حقيقة عرفية.

ويجوز أن يكون الاستعمال راجعا إلى القول، يعني أنهم يطلقون في هذا اللفظ معناه المجازي في الشرع والعرف دون موضوعه الأصلي كالصلاة والدابة: فإنهما لا تستعملان في الشرع والعرف إلاَّ في الأركان المعهودة والفرس. إلى أن قال:

وإنما صار استعمال اللفظ في معناه المجازي واستفاضته فيه دلالة على ترك الحقيقة، لأن الكلام موضوع للإفهام، والمطلوب به ما يسبق إليه الأوهام، فإذا تعارف الناس استعماله لشيء عينًا كان بحكم الاستعمال كالحقيقة فيه وما سواه لعدم العرف كالمجاز لا يتناوله الكلام إلاَّ بقرينة.

وقال: الحقيقة تترك بالتعارف....

وقال: والحقيقة تترك بنية غيرها أو بالعرف (٣)


(١) السرخسي: ١ /٢١٨٩؛ وكشف الأسرار على المنار: ١ /٢٣١.
(٢) ابن أمير حج. التقرير والتحبير: ١ / ٢٨٣؛ والسرخسي: ١/ ١٩٠
(٣) كشف الأسرار: ٢ /٩٥، ٩٦

<<  <  ج: ص:  >  >>