للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن الهمام معقبًا: إن فخر الإسلام أراد بما ذكر هذا المعنى، فهو مجاز لغوي مهجور الحقيقة، فصار حقيقة عرفية (١)

ثم فرع على هذا الأصل مسائل فقال: ومن التخصيص بالعادة:

١- فيمن نذر المشي إلى بيت الله: لزمه حجة أو عمرة والخيار إليه استحسانًا.

وفى القياس لا يلزمه شيء، لأن الإلزام بالنذر إنما يصح إذا كان من جنسه واجب عليه شرعًا، وليس من جنس المشي إلى بيت الله واجب عليه شرعًا فلا يصح التزامه بالنذر. ولكنا تركنا القياس بالعرف الظاهر بين الناس، أنهم يذكرون هذا اللفظ ويريدون به التزام النسك وتعارفوا ذلك، والعرف مختص بلفظ المشي المضاف إلى الكعبة أو إلى بيت الله الحرام أو إلى مكة فبقي وراءها على القياس (٢)

٢- مسألة: لو قال: لله على أن أضرب بثوبي حطيم الكعبة. فعليه أن يهديه استحسانًا وفي القياس لا شيء عليه: وجه القياس: لأن ما صرح به في كلامه لا يلزمه لأنه (ضرب الثوب) ليس بقربة فلأن لا يلزمه غيره أولى.

وجه الاستحسان: أنه إنما يراد بهذا اللفظ الإمراء به فصار عبارة عما يراد به عرفًا، فكأنه التزم أن يهديه (٣)

٣- حلف لا يأكل رأسًا: أنه يقع على المتعارف – رؤوس البقر والغنم – استحسانًا.. لأنا نعلم أنه إنما يراد به رأس كل شيء.. فإن رأس الجراد والعصفور لا يدخلان تحته وهو رأس حقيقية، فإذا علمنا أنه لم يرد به الحقيقة وجب اعتبار العرف وهو: الرأس ما يكبس في التنانير ويباع مشويًّا.

وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولًا: يدخل فيه رأس الإبل والبقر والغنم لما رأى من عادة أهل الكوفة أنهم يفعلون ذلك في هذه الرؤوس الثلاثة، ثم تركوا هذه العادة في الإبل فرجع وقال: يحنث في رأس البقر والغنم خاصة.

ثم إن أبا يوسف ومحمدًا رحمهما الله شاهدا عادة أهل بغداد وسائر البلدان أنهم لا يفعلون ذلك إلاَّ في رؤوس الغنم فقالا: لا يحنث إلاَّ في رأس الغنم فعلم:

- أن الاختلاف اختلاف عرف وزمان لا اختلاف حكم وبرهان.

- ثم قال: والعرف الظاهر أصل في مسائل الأيمان.


(١) الكمال بن الهمام – تيسير التحرير.
(٢) ابن أمير حاج التقرير والتحبير: ١ /٢٨٣.
(٣) أصول السرخسي: ١ /١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>