للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الخطابي: ويشبه أن يكون إنما فرق بين الليل والنهار في هذا: لأن في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار. ويوكلون بها الحفاظ والنواطير. ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحونها بالنهار، ويردوها مع الليل إلى المراح. فمن خالف هذه العادة كان به خارجًا عن رسم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع، فكان كمن ألقى متاعه في طريق شارع، أو تركه في غير موضع حرز، فلا يكون على آخذه قطع (١)

ومن السنَّة أيضًا: أحوال النساء وعوارضهن. قال صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: ((فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام)) وذلك لما شكت، إليه بأنها تستحاض حيضة كثيرة. وفيه تنبيه على الرجوع إلى الأمر الغالب والعادة.

قال الخطابي في المعالم: فردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إلى العرف الظاهر والأمر الغالب من أحوال النساء، كما حمل أمرها في تحييضها كل شهر مرة واحدة على الغالب من عدتهن، ويدل على ذلك قوله: كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن.

وهذا أصل في قياس أمر النساء بعضهن على بعض في باب الحيض والحمل والبلوغ وما أشبه هذا من أمورهن (٢)

وفي ضوء هذه النصوص ونظائرها اهتدى الأئمة إلى وضع هذه القاعدة واحتكموا إليها في كثير من المسائل والقضايا، وهذا ما يرمز إليه قول الإمام القاضي شريح في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه للغزَّالين: (سنتكم بينكم) ، قال العيني في شرح البخاري: يعني عادتكم وطريقتكم بينكم معتبرة (٣)

أدلة المجيزين لتخصيص العموم بالعادات

وعمدة من ذهب إلى أن العموم يخص بالعادات:

١- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس بلغتهم فيما عرفوا في تحاورهم.

وكذلك أمر الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سورة النحل من الآية ٤٤] .

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [سورة إبراهيم من الآية ٤]

وجه الاستدلال: لو لم يكن خطاب الشرع منزلًا على مقتضى العادة خرج عن أن يكون مفهمًا وبطلت فائدة الرسالة، فلا بد من حمله على مقتضى العادة ليتحقق معنى الإفادة (٤)

وقال أبو الوليد الباجي المالكي:

مسألة: يجوز تخصيص العموم بعادة المخاطبين: وبه قال ابن خويز منداد.

وجه هذا القول: أن اللفظ إذا ورد حمل على عرف التخاطب في الجهة التي ورد منها.

وقال القاضي أبو محمد: إن كان العرف من جهة الفعل لم يقع به التخصيص، مثل أن يقول: حرّمت عليكم اللحم، وعادتهم أكل لحم الضأن.


(١) معالم السنن: ٥ /٢٠٢.
(٢) جامع الترمذي: ٢ /٢٢٢ و ٢٢٣؛ والمعالم: ١ /١٨٣.
(٣) عمدة القاري: ١٢ /١٦.
(٤) ابن برهان البغدادي. الوصول إلى الأصول: ١ /٣٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>