للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث

عدم صلاحية العرف ليكون قانونًا ودستورًا

عندما يوازن علماء القانون بين العرف والقانون، فإنَّ مقارنتهم تتجه إلى العرف الذي كان يشكَّل قانونًا غير مكتوب يحكم الأوضاع في أمة من الأمم، وهم في هذه الموازنة يرجَّحون جانب العرف؛ لأنَّ العرف يتكون مما جرى عليه الناس في معاملاتهم الاقتصادية وأحوالهم الاجتماعية، ومن ثمَّ تتميز قواعده بأنَّها تعبر أصدق تعبير عما يرتضيه أفراد المجتمع في تنظيم علاقاتهم، فتكون بحكم نشأتها على هذا النحو ملائمة للظروف الاجتماعية كما تؤدي هذه الطريقة ذاتها في نشوء القواعد العرفية إلى تطورها بتطور الظروف في المجتمع فتظلُّ على وجه الدوام ملائمة لهذه الظروف.

أما القوانين المكتوبة، فإنَّه يؤخذ عليها أن قواعدها تأتي غير ملائمة لظروف المجتمع، وإذا جاءت ملائمة لهذه الظروف حين وضعها، فإنَّ صبَّها في نصوص مكتوبة يضفي عليها من الجمود ما يقف عن مسايرة التطور، وقد يقعد عن تعديلها على النحو الذي يستجيب لمقتضيات هذا التطور (١) .

هذه هي المزيَّة التي يذكرونها للعرف في مقابل القوانين المكتوبة، ولكنَّهم يعدَّدُون للقوانين كثيرًا من المزايا تجعلهم يرجَّحون جانب القانون على العرف ومن هذه المزايا:

أولًا: أن القوانين يمكن سنُّها بسهولة لمواجهة الأوضاع الجديدة في المجتمعات كما يمكن المسارعة إلى تعديلها كي تساير التطور في الحياة الاجتماعية. أما العرف، فإنَّه أداة بطيئة في تكوين القاعدة القانونية بحيث يقصر عن تزويد الجماعة في العصر الحديث بما تحتاج إليه من قواعد لمواجهة حاجاتنا المتجدَّدة بالسرعة الواجبة.

ثانيًا: تمتاز القوانين المكتوبة بأنَّها توضع في نصوص مصاغة صياغة محكمة تساعد الأفراد على معرفة حقوقهم وواجباتهم، أما العرف، فإنَّ قواعده تتكون تدريجيًّا كما ينقصها الوضوح والتحديد، ولذلك قد يصعب التثبت من وجود القاعدة أو التحقق من مضمونها.


(١) أصول القانون لعبد المنعم فرج الصدَّة: ص ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>