للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: القانون الواحد في الدولة الواحدة أداة لتوحيد نظام الدولة، إذ أن قواعده تنفذ في أقاليم الدولة، فتكون عاملًا على تحقيق الوحدة، بينما العرف أكثره مَحَليٌّ ولذلك فهو يؤدي إلى تعدد النظم في الدولة الواحدة الأمر الذي يفكَّك وحدتها ويعرقل تقدمها.

رابعًا: ويرى رجال القانون أن القانون المدوَّن يصلح أداة لتطوير المجتمع حيث يمكَّن من إدخال النظم والأخذ بالمبادئ التي ينادي بها المصلحون أو يقتبسونها من خارج بيئتهم، أما العرف، فإنَّه يمثل نزعة المحافظة على القديم بما ينطوي عليه من حبَّ التقاليد والحرص على المألوف بحيث لا يكون التخلص منه أمرًا يسيرًا، ولذلك فهو لا يتيح الفرصة للأخذ بالأفكار الجديدة التي يرى فيها المصلحون خيرًا للجماعة إلاَّ بعد زمن طويل (١) .

وعلماء الشريعة يأبون أن يقارنوا بين القانون الوضعي والعرف البشري، وذلك لأنَّهم يرفضون رفضًا قاطعًا أن تكون لهذه القوانين والأعراف الصدارة على الشريعة الإِسلامية.

إنَّنا لا ننظر إلى هذه الموازنة بين العرف والقانون الوضعي نظرة رضى، ونرى أن القانون الوضعي والعرف البشري وجهان لعملة واحدة، فالعرف ثمرة عادات الناس في معاملاتهم وأحوالهم الاجتماعية، والقوانين ثمرة جهود المفكرين الذين خبَّروا أحوال الناس ومشكلاتهم، فوضعوا لهم من القوانين ما يظنون أن فيه صلاحهم، وبهذا يظهر أن كلا السبيلين مصدره البشر، ولا وجه لمقارنة نتاج البشر بالشريعة الإِلهية المنزلة من الحكيم الحميد.

إنَّ القوانين البشرية والأعراف البشرية تتصف بالظلم والجهالة والقصور التي يتصف بها البشر، لأنَّها ناتجة عنهم، والشريعة الإِلهية تتصف بالعدل والكمال، لأنَّها من عند الله العادل الكامل الحكيم.


(١) راجع في هذا الموضوع: أصول القانون لعبد المنعم فرج الصدَّة: ص ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>