للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع

إقصاء الشريعة للعرف وحصره في دائرة ضيقة

عندما انتصر الإِسلام، وحكمت شريعته الديار التي رضي أهله بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، أقصت الشريعة الإِسلامية أعراف تلك الأمم عن الصدارة، وحصرت تلك الأعراف في دائرة ضيقة، وهذا مقتضى كون الشريعة الإِسلامية مهيمنة على كلَّ الشرائع والقوانين والأعراف.

وقد أكثر القرآن من التأكيد على وجوب تفرد هذه الشريعة المباركة بالحكم، وعدم جواز تقديم شيء عليها، لا قول حاكم، ولا حكم قاضٍ، ولا اجتهاد مفتٍ أو عالم، ولا عادة قوم ولا عرف أمة أو شعب {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (١) .

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (٢) .

وقد وعى علماؤنا الذين بحثوا في العرف ما علَّمهم الله إيَّاه، فإنَّهم نصُّوا على أن العرف الذي يصادم النصوص الشرعية عرف فاسد يجب رفضه، ولا يجوز الأخذ به بحال الأحوال.

وقد تحدَّث الشاطبي عن العوائد التي أمر بها الشارع أمر إيجاب أو أمر استحباب أو نهى عنها نهي تحريم أو كراهة، وبيَّن أنَّه لا تبديل لها وإن اختلفت آراء المكلفين فيها، فلا يصحُّ أن ينقلب الحسن فيها قبيحًا، ولا القبيح حسنًا، حتى يقال مثلًا: "إنَّ كشف العورة الآن ليس بعيب ولا قبيح فلنُجِزْه أو غير ذلك. إذ لو صحَّ مثل هذا لكان نسخًا للأَحكام المستقرَّة المستمرَّة، والنسخ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم باطل" (٣) .

وقول ابن عابدين مبينًا عدم اعتبار العرف إذا خالف النصَّ الشرعيَّ من الكتاب والسنة: "ولا اعتبار للعرف المخالف للنصّ، لأنَّ العرف قد يكون على باطل بخلاف النصّ كما قاله ابن الهمام " (٤) .

ويقول ابن نجيم: "وإنَّما العرف غير المعتبر في المنصوص عليه. قال في "الظهيرية" من الصلاة: وكان محمد بن الفضل يقول: الصرَّة إلى موضع نبات الشعر من العانة ليست من العورة لتعامل العمال في الإِبداء عن ذلك الموضع عند الاتزار، وفي النزع عن العادة الظاهر نوع حرج، وهذا ضعيف وبعيد، لأنَّ التعامل بخلاف النصّ لا يعتبر" (٥) .


(١) سورة النساء: الآية ٦٥.
(٢) سورة النور: الآية ٥١.
(٣) الموافقات: ٢ /٢٠٩.
(٤) نشر العرف (مجموعة رسائل ابن عابدين) : ٢ /١١٣.
(٥) الأشباه والنظائر: ص ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>