للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الخامس

تقديم الأعراف البشرية على الشريعة الإِسلامية

استمرَّت الشريعة الإِسلاميَّة حاكمة للديار الإِسلامية أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ثمَّ جاء الذين رضعوا ثقافة الغرب وتغذَّوا بلبانه الذين غزا الفكرُ الغربيُّ عقولَهم، وأشربت قلوبُهم حبَّ ما جاءهم من عنده ولو كان سمًّا زعافًا، جاء هؤلاء لِيُقْصوا الشريعة الإِسلامية المباركة، ويُحِلُّوا القوانين الوضعية محلّها، ثم جعلوا العرف المصدر الاحتياطي الأول، وقدَّموا رتبته على مبادئ الشريعة مما يدلُّ على مدى هوان الشريعة الإِسلامية على هؤلاء الذين هم من جلدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا، ولكنَّهم كانوا أشدَّ خطرًا علينا من أعتى أعدائنا.

عندما أرادت مصر أن تضع قانونًا مدنيًّا في عام ١٩٣٦م لتطبقه في عام ١٩٤٩م جعلت المادَّةُ الثانية فيه الشريعةَ الإِسلامية نكرة، وجاء نصُّ المادة هكذا: "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها.

فإذا لم يوجد نصٌّ تشريعى يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

ويستلهم في ذلك الأحكام التي أقرَّها القضاء والفقه مصريًّا كان أو أجنبيًّا، وكذلك يستلهم مبادئ الشريعة الإِسلامية (١) .

أين موقع الشريعة؟ وأين مكانها؟ هل أبقى واضع هذه المادة لهما شيئًا؟

كأني به إنَّما وضع اسمها خجلًا وتعذُّرًا، ولولا ذلك لما تفضَّل بذكره، وعندما هاج المسلمون في ذلك الوقت وثاروا على هذا الوضع المشين، وكتب من كتب وخطب من خطب عدلت هذه المادة لتحلَّ مبادئ الشريعة بعد العرف، وأصبحت المادة هكذا: " تُسرى النصوص التشريعية التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يوجد نصٌّ تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإِسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون" (٢) .

لقد قدَّم واضع القانون مبادئ الشريعة على مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، ولكنَّه قدَّم عليها القانون الوضعي الذي صاغه البشر، كما قدَّم عليها أعراف البشر، وجعلها مصدرًا احتياطيًّا تاليا للعرف فإلى الله المشتكى.

وسارت القوانين المدنية في أكثر البلاد الإِسلامية على النحو الذي سار عليه القانون المدني المصري.

* * *


(١) القانون المدني الأعمال التحضيرية: ١ /١٨٢.
(٢) القانون المدني الأعمال التحضيرية: ١ /١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>