للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه ما يعرف حدُّه باللغة كالشمس والقمر والسماء والأرض والبحر والبر.

ومنه ما يرجع حدُّه إلى عادة الناس وعرفهم، فيتنوع بحسب عادتهم كاسم البيع والنكاح والقبض والدرهم والدينار ونحو ذلك من الأسماء التي لم يحدَّها الشارع بحدّ، ولا لها حدّ واحد يشترك فيه جميع أهل اللغة، بل يختلف قدره وصفته باختلاف عادات الناس (١) .

الثاني: الأحكام التي لم تأمر بها الشريعة ولم تنه عنها، وهذا النوع ليس للشريعة غرض في فعلها على نحو معيَّن، وإنَّما المراد فعلها على أي وجه كان هذا الفعل، وهذا يختلف باختلاف عوائد الناس وعرفهم.

أما مجال العرف عند الأمم التي لا تحكَّم الشريعة الإِسلامية، فقد سبق القول بأنَّ العرف كان بمثابة القانون والدستور عند الأمم قبل تدوين قوانينها، فلما دونت القوانين بقى العرف مصدرًا رسميًّا للقواعد القانونية في مختلف فروع القانون، كما جعل العرف مصدرًا احتياطيًّا في كثير من القوانين يلجأ إليه القاضي في المسائل التي لا يجد فيها نصًّا في القانون.

ومن هنا، فإِن القانونيين يصرَّحون بأنَّ العرف لا يستطيع إِلغاء أو مخالفة نصوص القانون الآمرة، ولكنهم أعطوه الحقَّ في مخالفة النصوص المفسَّرة أو المكملة لإِرادة المتعاقدين دون إلغائها.

وقد سبق القول بأنَّ الشريعة الإِسلامية تأبى كلَّ الإِباء بأن تُسَاوى بقوانين البشر وعرفهم فضلًا عن أن تقدم عليها هذه القوانين والأعراف.

المبحث الثاني

موقف العلماء من الاحتجاج بالعرف

لا خلاف بين أهل العلم من الأصوليين والفقهاء والمفسَّرين والمحدَّثين في اعتبار العرف في المجالين الذين سبق تحديدهما. يقول الشيخ أحمد فهمي أبو سنَّة: "اعتبر الفقهاء – على اختلاف مذاهبهم – العرف، وجعلوه أصلًا ينبني عليه شَطْرٌ عظيم من أحكام الفقه" (٢) .

وفي اعتبار الشرع للعرف يقول ابن عادين في أرجوزة له:

والعرف في الشرع له اعتبار

لذا عليه الحكم قد يدار (٣) .


(١) مجموع فتاوى شيخ الإِسلام. ١٩/ ٢٣٥
(٢) العرف والعادة، لأحمد فهمي أبو سنَّة: ص ٣٣
(٣) نشر العرف: راجع مجموعة رسائل ابن عابدين: ٢/١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>