للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع أن هذه القضية لم يتم حلها في مصادر القانون الروماني فإن النتيجة المستخلصة من المبادئ العامة لهذا القانون هي أن الإيجاب ليس ملزمًا (١) . وكذلك يسود كلًّا من الفقه الإنجليزي والفرنسي والإيطالي مبدأ عدم إلزامية الإيجاب. أما في كل من الفقه الألماني والسويسري والتركي الحديث فإن الإيجاب ملزم (٢) ، إلا أن هذه الصفة الإلزامية للإيجاب محددة باشتراط القبول فورًا (أي بمدة معقولة) وذلك إذا لم يعيّن ميعاد للقبول (في نفس المعني نصت الماد (٢٧) من المدونة المدنية التونسية وكذلك المادة (٩٤) من القانون المدني المصري) .

وحسب الرأي القائل بخيار الرجوع فإن الموجب لا يمكن له أن يستعمل هذا الحق بعد صدور القبول كما قلنا (وهذا بغضّ النظر عن الرأي القائل بخيار المجلس) . ولو خرج القبول ورجوع الموجب معًا كان الرجوع أولى (٣) .

أما اشتراط علم المخاطب بالرجوع – في حالة الرجوع عن الإيجاب في التعاقد بين الحاضرين -، فإن هناك رأيين في كتب الفقه الحنفي (٤) .وبعبارة أخرى فإن الرجوع عن الإيجاب في التعاقد بين الحاضرين، يعد تعبيرًا متلقًّى في رأي وتعبيرًا ملقًى في رأي آخر (٥) . وإزاء هذا يمكن القول بأن هناك رأيين في الكتب الحنفية يؤيد أحدهما في هذه المسألة (نظرية العلم) والآخر (نظرية الإعلان) . (٦) .

وثمة مسألة هامة من ناحية تسليط الأضواء على موضوعنا، وهي حالة ما إذا حدد الموجب للطرف الآخر مدة يقبل فيها العقد أو يرفضه، فهل يلتزم الموجب بالبقاء على إيجابه هذه المدة أو له أن يعدل عنه؟ يشير الدكتور م. ي. موسى إلى أن هذه المسألة لم يتعرض لها أحد من الفقهاء صراحة ثم يذكر المادة (٩٣) من القانون المدني المصري (وهي كالتالي: إذا عين ميعاد القبول، التزام الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد، وقد يستخلص الميعاد من ظروف الحال أو من طبيعة المعاملة) ويقول: (وهذا أدنى إلى الحق مما نستخلصه من كلام الفقهاء: من أنه ليس للطرف الآخر أن يقبل بعد انتهاء المجلس حتى في هذه الحالة، كما أن التيسير في المعاملات يقتضي القول به ما دام الموجب قد رضي بتحديد مدة للقابل، وبخاصة والمؤمنون عند شروطهم التي لا تنافي مقتضى العقد ولا تتعارض والغرض منه) . وبعد هذا الكلام، يشير المؤلف مرة ثانية إلى أنه لم يجد، بعد طول البحث وشدة التنقيب، من الفقهاء من تعرض نصًّا لهذه المسألة، ويستثنى من ذلك عبارة رآها في مواهب الجليل للحطاب (٤/٢٤١) ويعتبرها مما قد يفيد الذهاب إلى ما ذهب إليه القانون. ثم يقول الدكتور م. ي. موسى في الهامش: (على أن الأستاذ الشيخ علي الخفيف يذكر (ص٢٠٥ هامش رقم ١ من كتابه المعاملات الشرعية) أن المالكية يذهبون صراحة إلى ما ذهب إليه القانون، راجعًا إلى هذا الكتاب (٤/٢٣) ، وقد رجعت إلى هذا الموضوع فلم أجد الأمر على ما قال، ولعل هناك خطأ مطبعيًّا!) (٧) ..


(١) SCHWARZ، Borclar، vol. ١، p. ٢١٤. (ومع هذا يقول بعض المؤلفين – بشكل مباشر – أن الإيجاب في القانون الروماني ليس ملزمًا، انظر: شحاته (شفيق) ، نظرية الالتزامات في القانون الروماني ص٣٦٠، نقلًا عن (الدريني، ص٢٧٤) .
(٢) محمصاني، النظرية العامة، ٢/٣٩؛ SCHWARZ، Borclar، vol. ١، p. ٢١٤-٢١٦; TEKINAY، Borclar Hukuku، p.٩١. وقد جاء في قانون المعاملات المدنية في الإمارات (م.١٣٦) ، وأصله الأردني (م.٩٦) أن المتعاقدين بالخيار بعد الإيجاب إلى آخر المجلس، فلو رجع الموجب قبل القبول بطل إيجابه، الزحيلي (وهبة) ، العقود المسماة في قانون المعاملات المدنية الإماراتي والقانون المدني الأردني، دمشق، ١٤٠٧هـ/١٩٨٧م، ص١٦.
(٣) ابن نجيم، البحر الرائق، ٥/٢٨٨.
(٤) انظر: الدريني، التراضي، ص٣٢٥ وما ورد فيها من مراجع.
(٥) سوار، التعبير، ص١٠٨-١٠٩، ١٤٧.
(٦) سيتم دراسة هذه النظريات تحت عنوان التعاقد بين الغائبين (٣-٣-٣) لارتباطها الوثيق بذلك العنوان.
(٧) موسى (م. ي.) ، الأموال ونظرية العقد، ص٢٦٠-٢٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>