للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ما يرجع إلى الصكوك المحولة إلى رأسمال قابل للتداول في البورصة (١) يمكن الإشارة على أنها أشد ضعفا قياسا بما يجرى في أماكن أخرى كما هو مبين أدناه (بالمليارات بالنسبة لسنة ١٩٨١) (٢) :

المدينة الصكوك المحولة (الأسهم + الندوات)

البيضاء ٢.٠٠٩ درهم

باريس ٧٩٥

ليون ١٥.٢

نانسي ٥.٢

ليل ٣.٠

بوردو ٣.٢

وفي النهاية نلاحظ ثلاث مميزات رئيسية:

- محدودية حجم البورصة القيم بالدار البيضاء لاستيعاب كمية إضافية من الصكوك المعروضة.

- الشركات بصفة أكثر والأفراد أو المدخرون الصغار لا يعيرون أي اهتمام للبورصة لأسباب متعددة.

ومن بين ما يمكن استخلاصه منطقيا هو أنه من المحتمل أن يكون مصير مسلسل الخوصصة هو الفشل نظرا لتواضع مستوى السوق المالي كما بيناه.

وحتى الحالة غير المحتملة التي يفترض فيها وجود من يقتني المقاولات الخاضعة للخوصصة تقابلها آثار سلبية على الاستثمار في المدى القصير والمتوسط ما دام جزء كبير من الادخار الخاص يستقطبه هذا البيع من قبل الدولة، وما دام المنطق الجديد يقضي بألا تستثمر الدولة إلا في البنيات الأساسية فإن قسطا كبيرا من إيراد مبيعاتها سوف يستهلك في القطاعات غير المنتجة، وهذا أمر غير مرغوب فيه.

وإذا رجعنا إلى المحتمل فإننا نصل إلى النتيجة السابقة التي مفادها أن هناك تفاوتا بين العرض والطلب. وأن استيعاب العرض بكامله في ظروف مميزة يفترض الإشراك القوي للرساميل الأجنبية لتساهم في شراء المقاولات المرشحة للخوصصة الشيء الذي يثير مسألة الاستقلال الاقتصادي تجاه البلدان الصناعية.

إن تحدي الخوصصة يكمن إذا في البيع بثمن مرتفع دون أن يحدث تقوِّيًا في مستوى الاستثمار، وهذا يُحتم تحريكا هامًّا للادخار عن طريق الانتشار الواسع للأسهم، وكل بلد على حدة سوف يواجه صعوبات كبيرة في سبيل ضمان هذه الشروط، وبالأخص إذا علمنا أن دخل شعوب العالم الإسلامي لا يتجاوز سنويا ٨٠٠ دولارا للفرد الواحد وهي حالة تنطبق على المغرب أيضا، وهو ما يبرز الطابع الضيق للإطار الوطني، ويستوجب طرح المسألة على مستوى أكثر امتدادا وفي ظروف جديدة، والمستوى الإسلامي يبدو حلا مناسبا ليس فقط لأن في بعض البلدان يتواجد ادخار عائد من جراء محدودية قدرات استيعابها للرساميل في حين أن البعض الآخر يعاني عجزا خطيرا على هذا المستوى، ولكن أيضا لأن أساليب التمويل الإسلامي تشجع كثيرا الاستثمارات المنتجة المباشرة التي من شأنها أن تقضي على أي شكل من أشكال المديونية، ذلك أن الممارسة الربوية هي جوهر المديونية وهي ممارسة تحرمها الشريعة الإسلامية.

والحل يكمن إذا في منح الفرصة لكل مواطن بإحداث ظروف مشجعة للاستثمار الخاص إلى جانب قطاع عمومي يتحدد حجمه في نقطة التوازن.

إن الإسلام يقبل شكلي الملكية العامة والخاصة دون أن يناصر مبدئيا لا هذه ولا تلك، بل إن الحكمة البالغة التي يمتاز بها هي اعتماده على مبدأ التوفيق الأمثل للشكلين معا، وإذا كانت ظروف تاريخية معينة تملي على البلدان الإسلامية تدعيم القطاع العام كضرورة حيوية وبالتالي مشروعة، فإن الحكمة تدعو اليوم إلى التقليص منه وليس إلى القضاء عليه.

والحكمة تقتضي أيضا أن يوظف ادخار البلدان الإسلامية لصالح العالم الإسلامي، الشيء الذي لا يمكن تحويله إلى واقع إلا إذا أنشئت بنيات ملائمة لها التوظيف، البنيات التي تحتل ضمنها السوق المالي الإسلامي مكانه الصدارة، والتي من شأنها أن تحرك الادخار الذي تغريه أسواق البلدان المصنعة أو الذي يفضل اللجوء إلى الأشياء المحافظة على القيمة كالذهب والأعمال الفنية، ولكن يجب العمل أيضا على حماية ادخار البلدان الأكثر فقرا من تحويله إلى البلدان الأكثر تصنيعا التي تمنح فرصا للاستثمار أكثر من سواها، بل يجب العمل على إيجاد نظام لإعادة التوزيع الذي يعمل على تعويض خروج الرساميل في الدول الفقيرة بجلب ما يقابلها أو أكثر من الرساميل الخارجية مثلا في إطار المضاربة أو المشاركة ليس في المجال التجاري ولكن أساسا في المجال الإنتاجي. وظهور مثل هذه الصيغ على مستوى العالم الإسلامي من طبيعتها أن تحرك الادخار الرافض للقنوات المالية التقليدية، ويصبح في الإمكان مشاهدة تراكم الرأسمال الشعبي وهو أمر محمود لدى الجميع.

الدكتور الحسن الداودي


(١) عدد الصكوك قيمة × ثمنها المتوسط.
(٢) المصدر: Durant Leboure ed. Maspero، p٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>