للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أنه في سنة ثمان وستمائة كان بمنى ومكة فتنة عظيمة، قتل فيها الحجاج العراقيون ونهبوا نهبا ذريعا. وقد ذكر هذه الحادثة جماعة من أهل الأخبار، ولم يشرحوا من أمرها مثل ما شرحه أبو شامة المقدسي في "ذيل الروضتين"، فاقتضى ذلك ذكرنا لما ذكره، ونتبع ذلك بما لم يذكره، ولما خولف فيه، ونصه ما ذكره أبو شامة في أخبار هذه السنة: فيها نهب الحاج العراقي، وكان حج بالناس من العراق علاء الدين محمد بن ياقوت نيابة عن أبيه ومعه ابن أبي فراس يفقهه ويدبره. وحج من الشام الصمصام إسماعيل أخو شاروخ النجمي على حاج دمشق، وعلى حاج المقدس: الشجاع علي بن سلار، وكانت ربعية خاتون أخت الملك العادل في الحاج؛ فلما كان يوم النحر بمنى بعد ما رمى الناس الجمرة، وثب الإسماعيلية على رجل شريف من بني عم قتادة أشبه الناس به؛ وظنوه إياه، فقتلوه عند الجمرة. ويقال: إن الذي قتله كان مع أم جلال الدين، وثار عبيد مكة والأشراف، وصعدوا على الجبلين بمنى، وهللوا وكبروا وضربوا الناس بالحجارة والنبل والمقاليع والنشاب، ونهبوا الناس يوم العيد والليلة واليوم الثاني، وقتل من الفريقين جماعة؛ فقال ابن أبي فراس لمحمد بن ياقوت: ارحلوا بنا إلى الزاهر منزلة الشاميين؛ فلما حملت الأثقال على الجمال حمل قتادة أمير مكة والعبيد، فأخذوا الجميع إلا القليل. وكانت ربيعة خاتون بالزاهر ومعها ابن السلار وأخو شاروخ أمير حاج الشام، فجاء محمد بن ياقوت أمير الحج العراقي، فدخل خيمة ربيعة خاتون مستجيرا بها، ومعه خاتون أم جلال الدين.

فبعثت ربيعة خاتون مع أبن السلار إلى قتادة تقول له: ما ذنب الناس؟ قد قتلت القاتل وجعلت ذلك وسيلة إلى نهب المسلمين، واستحللت الدماء في الشهر الحرام في الحرم والمال، وقالت له: قد عرفت من نحن، والله لئن لم تنته لأفعلن وأفعلن؛ فجاء إليه ابن السلار فخوفه وهدده، وقال: ارجع عن هذا وإلا قصدك الخليفة من العراق، ونحن من الشام؛ فكف عنهم وطلب مائة ألف دينار وإلا قصدك الخليفة من العراق، ونحن من الشام، فكف عنهم وطلب مائة ألف دينار، فجمعوا له ثلاثين ألفا من أمير الحاج العراقي، ومن خاتون أم جلال الدين، وأقام الناس ثلاث أيام حول خيمة ربيعة خاتون، بين قتيل وجريح ومسلوب وجائع وعريان.

وقال قتادة: ما فعل هذا إلا الخليفة، ولئن عاد يقرب أحد من بغداد إلى هنا لأقتلن الجميع.

ويقال: إنه أخذ من المال والمتاع وغيره ما قيمته ألف ألف دينار، وأذن الناس في الدخول إلى مكة، فدخل الأصحاء والأقوياء، فطافوا وأي طواف، ومعظم الناس ما

<<  <  ج: ص:  >  >>