للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنَّهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ وَأَكْثَرُ» ".

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ «كَانَ جَبْرَائِيلُ يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَيُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ» ، فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي زَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا عِلْمٌ، نَزَلَ بِهَا جَبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا نَزَلَ بِالْقُرْآنِ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُحْفَظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَرَأَ بَعْضَ مُصَنَّفَاتٍ فِي النَّحْوِ وَالطِّبِّ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ قَصِيدَةً مِنَ الشِّعْرِ، كَانَ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى فَهْمِ مَعْنَى ذَلِكَ وَكَانَ مِنْ أَثْقَلِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ كَلَامٍ لَا يَفْهَمُهُ، فَإِذَا كَانَ السَّابِقُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كِتَابُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ وَهَدَاهُمْ بِهِ وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُونَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى فَهْمِهِ وَمَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ الْعَامَّةِ وَالْعَادَةِ الْخَاصَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلصَّحَابَةِ كِتَابٌ يَدْرُسُونَ وَكَلَامٌ مَحْفُوظٌ يَتَفَقَّهُونَ فِيهِ إِلَّا الْقُرْآنُ وَمَا سَمِعُوهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُونُوا إِذَا جَلَسُوا يَتَذَاكَرُونَ إِلَّا فِي ذَلِكَ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ الصَّحَابَةُ إِذَا جَلَسُوا يَتَذَاكَرُونَ كِتَابَ رَبِّهِمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ رَأْيٌ وَلَا قِيَاسٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ كَمَا هُوَ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ: قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يَفْهَمُونَهُ، وَآخَرُونَ يَتَفَقَّهُونَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِمْ وَيَدْرُسُونَهُ، وَآخَرُونَ يَشْتَغِلُونَ فِي عُلُومٍ أُخَرَ وَصَنْعَةٍ اصْطِلَاحِيَّةٍ، بَلْ كَانَ الْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَعْتَنُونَ بِهِ حِفْظًا وَفَهْمًا وَعَمَلًا وَتَفَقُّهًا، وَكَانُوا أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ وَيُبَلِّغُهُمْ إِيَّاهُ كَمَا يُبَلِّغُهُمْ لَفْظَهُ.

فَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونُوا يَرْجِعُونَ إِلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ لَا يُعْلِمَهُمْ إِيَّاهُ وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ يُنَالُ بِهِ الْعِلْمُ وَالْهُدَى، وَهُوَ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى تَعَلُّمِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ، بَلْ كَانَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى هِدَايَةِ الْكُفَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: ٣٧] وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِتَفَاصِيلِ الْأَسْمَاءِ

<<  <   >  >>