للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٦٨ - أَوْ جِهَةِ الْعَدْلِ وَمَا قَد تَبِعُوا … إِلَى اصْطِلَاحٍ لَا الْمَعَانِي يَرْجِعُ

" أو" يحصل لـ"جهة" إقامة "العدل" في العبادة، بصرف جميع نعمه سبحانه وتعالى إلى شكره. وذلك بالنظر إلى مقابلة النعمة بانشكران أو الكفران، من حيث كان امتثال الأوامر واجتناب النواهي شكرانا على الإطلاق، وكان خلاف ذلك كفرانا على الإطلاق فإذا كانت النعمة على العبد ممدودة من العرش إلى الفرش بحسب الإرتباط الحكمي وما دل عليه قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجَاثيَة: ١٣] وقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا} [إبراهيم: ٣٢] إلى قوله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: ٣٤] وأشباه ذلك، فتصريف النعمة في مقتضى الأمر شكران لكل نعمة وصلت إليك، أو كانت سببا في وصولها إليك، والأسباب الموصلة ذلك إليك لا تختص بسبب دون سبب ولا خادم دون خادم، فحصل شكر النعم التي في السموات والأرض وما بينهما وتصريفها في مخالفة الأمر كفران لكل نعمة وصلت إليك أو كانت سببا فيها كذلك أيضا (١). وهذا هو الاعتبار الثالث.

وهذا الذي عليه الصوفية في هذا الشأن "وما قد تبعوا" فيه من الاعتبارين المذكورين ليس خلافا حقيقيا لما عليه أهل العلم الشرعي من الفقهاء والأصولين في هذا المقام، وإنما هو خلاف راجع "إلى" مجرد "اصطلاح" لهم في ذلك فقط، "لا" خلاف "المعاني" التي قررها علياء الشريعة "يرجع" إذ هذا النظر قد اقتضى انقسام الأوامر والنواهي - كما يقول الجمهور - بحسب التصور النظري، وإنما أخذوا في نمط آخر، وهو أنه لا يليق بمن يقال له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] أن يقوم بغير التعبد وبذل المجهود، في التوجه إلى الواحد المعبود. وإنما النظر في مراتب الأوامر والنواهي يشبه الميل إلى مشاحة العبد لسيده في طلب حقوقه، وهذا غير لائق بمن لا يملك لنفسه شيئا لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ إذ ليس للعبد حق على السيد من حيت هو عبد، بل عليه بذل المجهود، والرب يفعل ما يريد (٢).


(١) الموافقات ٣/ ١٨١/ ١٨٢.
(٢) الموافقات ٣/ ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>