للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقديماً قيل: "رب سلاح يقول لحامله: ضعني, وكلمة تقول لصاحبها: دعني", وربما أدرك عقلاء الناس وأصحاب الرأي فيهم أنما المرء معتبر بأكبر ما ينسب إليه عمله وإيمانه, فإن حسنا كان من المتقين الأخيار, وإن فسدا كان من الفسدة الأشرار, ولهذا كان من الإحسان أن يحسن الإنسان اختيار جليسه, وأن يصطفي أنيسه, وربما يجد المتتبع لفنون الأدب في أشعار العرب وأمثالهم من الأخبار النافعة ما تستظرفه العقول, وتستملحه النفوس, وفيه من محاسن الإنشاء, ودقة المعنى ما يوافق الشرع, وينفع الخلق, ويهدي إلى قيد الشوارد, وحفظ الشواهد, والعمل بالمواعظ, والاستفادة من المناسبات, والحرص على الانتفاع بالأوقات, والتفكر في المخلوقات مما يشرق به الأمل ويحث على العمل, وينتفي به الملل, ويقرب من الله عز وجل, فالكيس من جعل دنياه سعادة, وأخرته فلاحاً وشهادة, وحَرِصَ وفيه بقية, أن تكون له نفس صالحة أبيّة تقية, ولله در القائل:

إِذا المَرءُ لَم يَحتَل وَقَد جَدَّ جَدُّهُ ... أَضاعَ وَقاسى أَمرُهُ وَهوَ مُدبِرُ

وَلكِن أَخو الحَزمِ الَّذي لَيسَ نازِلاً ... بِهِ الأَمرُ إِلا وَهوَ لِلأَمرِ مُبصِرُ (١)

ولن يضيع أوقات زمانه, ويتعالى بالزعامة, ويتدثر بما يورث الأسى والندامة, إلا من كان أشد حمقاً (٢) من النعامة, وحسب الرجل اللبيب أن يشغل أوقاته فيما ينفع ويفيد, أو يبصّر أخاه بالرأي السديد, ويدله على واضح الطريق, أو يرشده إلى اكتساب بضاعة يجيد فيها الصناعة.


(١) - القائل لهذين البيتين: تأبط شرا.
(٢) - الحمق: هو السفه وقلة الرأي, وإنما قلنا: أشد حمقاً من النعامة, لأن النعامة تترك بيضها يداس وتحضن بيض غيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>