للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا روح فيه, وفي الحديث النبوي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ) (١)

ان الشقاء الذي اصاب الناس مرده عدم الطاعة لله والاخلاص في العمل له, والايمان به, ولهذا فإن البعض من الناس قد يلعب بهم الهواء, ويغويهم الشيطان فيألهون بعض افراد جنسهم بالغلو في متابعتهم حتى علو في الارض, واستذلوا البشر, وساقوهم الى التناحر, واذا كانت عبادة الله هي اقصى غاية الخضوع له مع طاعته, والتحرر من عبادة المخلوقين, واتباع اهوائهم فانه مما يتعين على الانسان التوجه الى عبادة الله وحده والاخلاص في العمل واتقانه عبادة كان او معاملة او صناعة او زراعة..الخ, وفي القرآن الحكيم يبين لنا العزيز الرحيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (٢) فاتخاذ الانداد واتباع اهواء النفس والرياء والغايات الشخصية حاربها الاسلام ليحل محلها الاخلاص, ولهذا اولاه الاسلام اهتماما خاصا, وقرنه بالعبادة قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (٣) وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (٤) فالاخلاص لله في العمل شرط في قبوله فالله لا يقبل من الاعمال ولا يزكي الا ما كان خالصا لله, فان الله أغنى الاغنياء عن الشرك, وقد جاء في الحديث القدسي أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ (٥) فالاخلاص هو الذي يجعل العمل نافعا مقبولا, ومن الحمق ان يوقن العاقل بان نفعه في شيء ثم لا ياتي ذلك الشيء, والاخلاص هو الذي يجعل من المرء انسانا سويا يخاف الله ويراقبه فيما ياتي ويذر من الاعمال, فالاسلام وهو بغية الارواح, وطلبة الاشباح, ومهبط السكينة, ومستقر الطمانينة, وضالة العقول, وخلاصة المعقول والمنقول, وامنية القلوب, وراس كل مطلوب, لايتم بدون اخلاص ولا يتمكن الانسان من ادراك تلك النعمة الكبرى دون اخلاص يتصف به ويطمئن به قلبه, فللقلوب سعاداة لا يحس بها من لم يكن مخلصا لله في عمله, ولا يدركها ذوو الاموال ولا ارباب المناصب الا بالاخلاص لله. وهل للناس مطلب غير ان يسعدوا في ظاهرهم وباطنهم, ودنياهم واخراهم سعادة تدفع عنهم شرور الحياة ومكارهها ثم تفيض عليهم من انواع السرور, وشرح الصدور, وبهجة الاسرار, وصفاء الانوار, مالم يعلمه الا الله سبحانه وتعالى, ثم تسلمهم بعد ذلك الى نعيم لايشوبه كدر, ولا يعتريه زوال, وملك ليس فيه عناء, ولا له انقضاء,


(١) - النسائي في سننه حديث رقم (٣٠٨٩) .
(٢) - سورة البقرة الاية (٢١-٢٢) .
(٣) - سورة البينة الاية (٥) .
(٤) - سورة الزمر الاية (٢) .
(٥) - مسلم في صحيحه باب من اشرك في عمله غير الله حديث رقم (٥٣٠٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>