للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسعادة والبهجة, والابتسامة الطيبة, حيث يظهر على وجهه انبساط من غير عبوس وابتسامة من غير جزع, وقد اشار القرآن الكريم الى الطمأنينة التي تحل بقلوب المؤمنين الذاكرين فقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (١) ويرحم الله ابا العتاهية حديث يقول:

وَإِذا اِتَّقى اللَهَ اِمرُؤٌ وَأَطاعَهُ ... فَتَراهُ بَينَ مَكارِمٍ وَمَعالِ

عَلى التَقِيِّ إِذا تَرَسَّخَ في التُقى ... تاجانِ تاجُ سَكينَةٍ وَجَلالِ

ويغفر الله لابي قاسم الشابي حيث يقول:

لمْ أجدْ في الحَيَاةِ لحناً بديعاً ... يَسْتَبيني سِوى سَكينَةِ نَفْسي

[السعيد من صلح قلبه]

السعيد من صلح قلبه, وحسن نطقه, وعبد ربه, ووصل الى الناس خيره, وابعد عن الناس اذاه وشره, فليس لك من قلبين في جوفك تجعل من احدهما منبعا للسعادة والخير, وتجعل من الاخر منبعا للشقاوة والشر, وفي الذكر الحكيم: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (٢) فكان المراد أن الإنسان لا يمكن أن يكون له قلبان يجمع بهما بين الضدين وهو ابتغاء مرضات الله وابتغاء مرضات أعدائه بل له قلب واحد إذا صدق في التوجه إلى شيء لا يمكن أن يتوجه إلى ضده بالصدق والإخلاص، فيكون في وقت واحد مخلصا لله ومخلصا لأعداء دينه، ومن هذا الباب قول الشاعر وقد رمق سماء هذا المعنى:

لو كان لي قلبان عشت بواحد ... وتركت قلبا في هواك يعذب

فلو تملَّك قلبك حب الله, وحب رسوله, وحب شريعته, وحب الخير لعباده, وحب الفضيلة, وحب الايثار, وحب التعاون, وحب الاصلاح, وحب العلم, وحب العمل, وكراهية كل ما هو ضد لذلك, فانك ستكون سعيدا, وفي الحديث النبوي (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (٣) فمن اصلح قلبه نور الله بصيرته, وكان سعيدا في الدنيا والاخرة, وانما يصلح الانسان قلبه بالايمان والعمل الصالح, والابتعاد عن العجب والغل والحسد والرذائل, ويروى انه كَانَ الْحَسَنُ، يَقُولُ: "لِسَانُ الْعَاقِلِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ قَوْلٌ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَمْسَكَ. وَلِسَانُ الْأَحْمَقِ أَمَامَ قَلْبِهِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ الْقَوْلُ قَالَ عَلَيْهِ أَوَّلَهُ" (٤) فالسعيد من حفظ جوارحه وحفظ لسانه واطاع ربه, وعصى عدوه الشيطان, ولم يسع الى زرع الفتن وكفر النعم, والسعيد يحب الله ويحب الناس ولا يحتقرهم , والسعيد يامر بالمعروف, وينهى عن المنكر, والسعيد يحب الخير للناس, ويكره اذاهم, فهو متق لله وخائف منه, وفي الحديث النبوي: إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ


(١) - سورة الرعد الاية (٢٨) .
(٢) - سورة الاحزاب الاية (٤) .
(٣) - البخاري في صحيحه حديث رقم (٥٠) .
(٤) - شعب الايمان للبيهقي حديث رقم (٤٣٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>