للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: " [حَتَّى] (١) يَلِجَ الجُمَّل فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" بِضَمِّ الْجِيمِ، وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، يَعْنِي: الْحَبْلُ الْغَلِيظُ فِي خُرْمِ الْإِبْرَةِ.

وَهَذَا اخْتِيَارُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "حَتَّى يَلِجَ الجُمَّل" يَعْنِي: قُلُوس السُّفُنِ، وَهِيَ الْحِبَالُ الْغِلَاظُ.

وَقَوْلُهُ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ [وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ] } (٢) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِي: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ} قَالَ: الْفَرْشُ، {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} قَالَ: اللحُفُ.

وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزاحِم، والسُّدِّي، {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٤٢) وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) }

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الْأَشْقِيَاءِ (٣) عَطَفَ بِذِكْرِ حَالِ السُّعَدَاءِ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِجَوَارِحِهِمْ، ضِدُّ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا.

وَيُنَبِّهُ (٤) تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ بِهِ سَهْلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} أَيْ: مِنْ حَسَدٍ وَبَغْضَاءَ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ لِلْبُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المتوكِّل النَّاجِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَاقْتَصَّ لَهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذبوا وَنُقُّوا، أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهُمْ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدُلُّ مِنْهُ بِمَسْكَنِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا" (٥)

وَقَالَ السُّدِّي فِي قَوْلِهِ: {وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ} الْآيَةَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا سَبَقُوا إِلَى الْجَنَّةِ فَبَلَغُوا، وَجَدُوا عِنْدَ بَابِهَا شَجَرَةً فِي أَصْلِ سَاقِهَا عَيْنَانِ، فَشَرِبُوا (٦) مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَيُنْزَعُ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ، فَهُوَ "الشَّرَابُ الطَّهُورُ"، وَاغْتَسَلُوا مِنَ الْأُخْرَى، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ "نَضْرَةُ النَّعِيمِ" فَلَمْ يَشْعَثُوا وَلَمْ يَشْحَبُوا بَعْدَهَا أَبَدًا.


(١) زيادة من ك، م، أ.
(٢) زيادة من، م، أ.
(٣) في أ: "ما للأشقياء".
(٤) في م، أ: "ونبه".
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٤٤٠) .
(٦) في م: "فيشربون".

<<  <  ج: ص:  >  >>