للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحق ويُبَصّر بعد العمى، أم الذي لا يهدي إلى شيء إلا] (١) أن يهدى، لعماه وبكمه؟ كما قال تعالى إخبارًا عن إبراهيم أنه قال: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢]، وقال لقومه: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٥، ٩٦] إلى غير ذلك من الآيات.

وقوله: (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أي: فما بالكم (٢) يُذْهَبُ بعقولكم، كيف سويتم بين الله وبين خَلقه، وعدلتم هذا بهذا، وعبدتم هذا وهذا؟ وهلا أفردتم الرب المالك الحاكم الهادي من الضلالة بالعبادة وحده، وأخلصتم إليه الدعوة والإنابة.

ثم بين تعالى أنهم لا يتبعون في دينهم هذا دليلا ولا برهانًا، وإنما هو ظن منهم، أي: توهم وتخيل، وذلك لا يغني عنهم شيئا، (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) تهديد لهم، ووعيد شديد؛ لأنه تعالى أخبر (٣) أنه سيجازيهم على ذلك أتم الجزاء.

﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠)

هذا بيان لإعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، ولا بعشر سور، ولا بسورة من مثله، لأنه بفصاحته وبلاغته ووَجازته وحَلاوته، واشتماله على المعاني العزيزة (٤) [للعزيزة] (٥) النافعة في الدنيا والآخرة، لا يكون إلا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا صفاته، ولا في أفعاله وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ ولهذا قال تعالى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ) (٦) أي: مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله، ولا يشبه هذا كلام (٧) البشر، (وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي: من الكتب المتقدمة، ومهيمنا عليها، ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل.

وقوله: (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي: وبيان الأحكام والحلال والحرام، بيانًا


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت: "لكم".
(٣) في ت، أ: "يخبر".
(٤) في ت، ا: "الغزيرة".
(٥) زيادة من ت.
(٦) في ت: "لهذا".
(٧) في ت، أ: "بكلام".