للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) يقول: بل كذب هؤلاء بالقرآن، ولم يفهموه ولا عرفوه، (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أي: ولم يُحصّلوا ما فيه من الهدى ودين الحق إلى حين تكذيبهم به جهلا وسفهًا (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: من الأمم السالفة (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) أي: فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلمًا وعلوا، وكفرا وعنادًا وجهلا فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم.

وقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) أي: ومن هؤلاء الذين بُعثتَ (١) إليهم يا محمد من يؤمن (٢) بهذا القرآن، ويتبعك وينتفع بما أرسلت به، (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) بل يموت على ذلك ويبعث عليه، (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) أي: وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، ومن يستحق الضلالة فيضله، وهو العادل الذي لا يجور، بل يعطي كلا ما يستحقه، وتقدس وتنزه، لا إله إلا هو.

﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢)

يقول تعالى لنبيه : وإن كذبك (٣) هؤلاء المشركون، فتبرأ منهم ومن عملهم، (فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) كقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [سورة الكافرون]. وقال إبراهيم الخليل وأتباعه لقومهم المشركين: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: ٤].

وقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) أي: يسمعون (٤) كلامك الحسن، والقرآن العظيم، والأحاديث الصحيحة الفصيحة (٥) النافعة في القلوب والأبدان والأديان، وفي هذا كفاية عظيمة، ولكن ليس ذلك إليك ولا إليهم، فإنك لا تقدر على إسماع الأصم -وهو الأطرش -فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء، إلا أن يشاء الله.

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) أي: ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة، والسمت الحسن، والخلق العظيم، والدلالة الظاهرة، على نبوءتك لأولي البصائر (٦) والنهى، وهؤلاء ينظرون كما ينظر


(١) ت في ت: "الذين من بعثت".
(٢) في ت، أ: "سيؤمن".
(٣) في أ: "وإن كذبوك".
(٤) في ت: "يستمعون".
(٥) في ت: "الفصيحة الصحيحة".
(٦) في ت: "الأبصار".