للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحصونه عليه، ثم يعرضون عَلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَيُجَازِيهِ عَلَى الْحَقِيرِ وَالْجَلِيلِ (١) وَالنَّقِيرِ والقِطْمير.

ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أَيْ: يَحْفَظُكُمْ (٢) وَيَكْلَؤُكُمْ بِحِرَاسَتِهِ {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} أَيْ: بِسُرْعَةِ سَيْرِهِمْ رَافِقِينِ، فَبَيْنَمَا (٣) هُمْ كَذَلِكَ إِذْ {جَاءَتْهَا} أَيْ: تِلْكَ السُّفُنَ {رِيحٌ عَاصِفٌ} أَيْ: شَدِيدَةٌ {وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} أَيْ: اغْتَلَمَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أَيْ: هَلَكُوا {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أَيْ: لَا يَدْعُونَ مَعَهُ صَنَمًا وَلَا وَثَنًا، بَلْ يُفْرِدُونَهُ بِالدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا} [الْإِسْرَاءِ: ٦٧] ، وَقَالَ هَاهُنَا: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ} أَيْ: هَذِهِ الْحَالُ {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أَيْ: لَا نُشْرِكُ بِكَ أَحَدًا، وَلَنُفْرِدَنَّكَ (٤) بِالْعِبَادَةِ هُنَاكَ كَمَا أَفْرَدْنَاكَ بِالدُّعَاءِ هَاهُنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ} أَيْ: مِنْ تِلْكَ الْوَرْطَةِ {إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أَيْ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَاكَ شَيْءٌ (٥) {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ}

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أَيْ: إِنَّمَا يَذُوقُ وَبَالَ هَذَا الْبَغْيِ أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ وَلَا تَضُرُّونَ (٦) بِهِ أَحَدًا غَيْرَكُمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرَ (٧) أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدخر (٨) اللَّهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ". (٩)

وَقَوْلُهُ: {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: إِنَّمَا لَكُمْ مَتَاعٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الدَّنِيئَةِ الْحَقِيرَةِ {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ} أَيْ: مَصِيرُكُمْ وَمَآلُكُمْ (١٠) {فَنُنَبِّئُكُمْ} أَيْ: فَنُخْبِرُكُمْ بِجَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ، وَنُوَفِّيكُمْ (١١) إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمِنْ وجد غير ذلك فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥) }


(١) في ت: "القليل والحقير".
(٢) في ت، أ: "يحيطكم".
(٣) في ت: "فبينا".
(٤) في أ: "ولنفردك".
(٥) في ت، أ: "كأن لم يكن شيء من ذاك".
(٦) في ت: "يضرون".
(٧) في ت: "أحذر".
(٨) في ت: "يؤخر".
(٩) رواه أبو داود في السنن برقم (٤٩٠٢) والترمذي في السنن برقم (٢٥١١) وابن ماجه في السنن برقم (٤٢١١) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
(١٠) في ت: "ومآبكم".
(١١) في ت: "ونوفكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>