للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا دَارَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَبَيْنَ رُسُلِهِمْ مِنَ الْمُجَادَلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَمَهُمْ لَمَّا وَاجَهُوهُمْ بِالشَّكِّ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَتِ الرُّسُلُ: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}

وَهَذَا يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ، أَحَدِهِمَا: أَفِي وُجُودِهِ شَكٌّ، فَإِنَّ الْفِطَرَ شَاهِدَةٌ بِوُجُودِهِ، وَمَجْبُولَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ، فَإِنَّ الِاعْتِرَافَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فِي الفطَر السَّلِيمَةِ، وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ (١) لِبَعْضِهَا شَكٌّ وَاضْطِرَابٌ، فَتَحْتَاجُ إِلَى النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ الْمُوَصِّلِ إِلَى وُجُودِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ لَهُمُ الرُّسُلُ تُرْشِدُهُمْ إِلَى طَرِيقِ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّهُ {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الَّذِي خَلَقَهَا وَابْتَدَعَهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، فَإِنَّ شَوَاهِدَ الْحُدُوثِ (٢) وَالْخَلْقِ وَالتَّسْخِيرِ ظَاهِرٌ عَلَيْهَا، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ صَانِعٍ، وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَهُهُ وَمَلِيكُهُ.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي فِي قَوْلِهِمْ: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} أَيْ: أَفِي إِلَهِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِوُجُوبِ الْعِبَادَةِ لَهُ شَكٌّ، وَهُوَ الْخَالِقُ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ، وَلَا (٣) يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلَّا هُوَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَإِنَّ غَالِبَ الْأُمَمِ كَانَتْ مُقِرَّةً بِالصَّانِعِ، وَلَكِنْ تَعْبُدُ (٤) مَعَهُ غَيْرَهُ مِنَ الْوَسَائِطِ الَّتِي يَظُنُّونَهَا تَنْفَعُهُمْ أَوْ تُقَرِّبُهُمْ مِنَ اللَّهِ زُلْفَى.

وَقَالَتْ لَهُمُ الرُّسُلُ: نَدْعُوكُمْ (٥) لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} الْآيَةَ [هُودٍ: ٣] ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْأُمَمُ مِحَاجِّينَ فِي مَقَامِ الرِّسَالَةِ، بَعْدَ تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِمْ لِلْمَقَامِ الْأَوَّلِ، وَحَاصِلُ مَا قَالُوهُ: {إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أَيْ: كَيْفَ نَتَّبِعُكُمْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِكُمْ، وَلَمَّا نَرَ مِنْكُمْ مُعْجِزَةً؟ {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أَيْ: خَارِقٍ نَقْتَرِحُهُ عَلَيْكُمْ.


(١) في ت: "تعرض".
(٢) في ت، أ: "الحدث".
(٣) في ت، أ: "فلا".
(٤) في ت، أ: "يعبد".
(٥) في هـ: "وقالت لهم رسلهم: الرسل يدعوكم"، والمثبت من ت، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>