للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِنْدَ الْمَرْوَةِ إِلَى مَبيعة غُلَامٍ نَصْرَانِيٍّ يُقَالُ لَهُ جَبْرٌ، عَبْدٍ لِبَعْضِ بَنِي الْحَضْرَمِيِّ، [فَكَانُوا يَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا كَثِيرًا مِمَّا يأتي به إلا جبر النصراني، غلام بن الْحَضْرَمِيِّ] (١) فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (٢)

وَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: وَعَنْ عِكْرِمة وَقَتَادَةَ: كَانَ اسْمُهُ يَعِيشَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُلَائِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ قَينًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ اسْمُهُ بَلْغَامَ، وَكَانَ أَعْجَمِيَّ اللِّسَانِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرَوْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ، قَالُوا: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَلْغَامُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (٣) .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: هُوَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَسَلْمَانُ إِنَّمَا أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ (٤) بْنُ مُسْلِمٍ: كَانَ لَنَا غُلَامَانِ رُومِيَّانِ يَقْرَآنِ كِتَابًا لَهُمَا بِلِسَانِهِمَا، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِهِمَا (٥) ، فَيَقُومُ فَيَسْمَعُ مِنْهُمَا فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: الَّذِي قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَافْتَرَى هَذِهِ الْمَقَالَةَ، قَبَّحَهُ اللَّهُ!.

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٠٥) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَهْدِي (٦) مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ وتَغَافل عَمَّا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهَذَا الْجِنْسُ مِنَ النَّاسِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِآيَاتِهِ وَمَا أَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ مُوجِعٌ فِي الْآخِرَةِ.

ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ لَيْسَ بِمُفْتَرٍ وَلَا كَذَّاب؛ لِأَنَّهُ {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ} عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ شِرارُ الْخَلْقِ، {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْمُلْحِدِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكَذِبِ عِنْدَ النَّاسِ. وَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ (٧) أَصْدَقَ النَّاسِ وَأَبَرَّهُمْ وَأَكْمَلَهُمْ عِلْمًا وَعَمَلًا وَإِيمَانًا وَإِيقَانًا، مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ فِي قَوْمِهِ، لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِحَيْثُ لَا يُدْعى بينهم إلا بالأمين محمد؛ ولهذا لما


(١) زيادة من ت، ف، أ، وابن هشام.
(٢) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٣٩٣) .
(٣) تفسير الطبري (١٤/ ١١٩) .
(٤) في ت، ف: "عبد الله".
(٥) في أ: "عليهما".
(٦) في أ: "لا يهتدي".
(٧) في ت: "كان من".

<<  <  ج: ص:  >  >>