للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَنَزَلَتْ: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (١) .

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، بِهِ (٢) . وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ عَنْ معقل ابن يَسَارٍ: أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، فَهَوِيَهَا وَهَوِيَتْهُ، ثُمَّ خَطَبَهَا مَعَ الْخُطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: يَا لُكَعُ (٣) أَكْرَمْتُكَ بِهَا وَزَوَّجْتُكَهَا، فَطَلَّقْتَهَا! وَاللَّهِ لَا تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَبَدًا، آخِرُ مَا عَلَيْكَ قَالَ: فَعَلِمَ اللَّهُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا وَحَاجَتَهَا إِلَى بَعْلِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فَلَمَّا سَمِعَهَا مَعْقِلٌ قَالَ: سَمْعٌ لِرَبِّي وَطَاعَةٌ ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ، زَادَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ (٤) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: هِيَ جُمَلُ بِنْتُ يَسَارٍ كَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْبَدَّاحِ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ يَسَارٍ. وَهَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَأُخْتِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَةِ عَمٍّ لَهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أَيْ: هَذَا الَّذِي نَهَيْنَاكُمْ عَنْهُ مِنْ مَنْعِ الْوَلَايَا أَنْ يَتَزَوَّجْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، يَأْتَمِرُ بِهِ وَيَتَّعِظُ بِهِ وَيَنْفَعِلُ لَهُ {مَنْ كَانَ مِنْكُمْ} أَيُّهَا النَّاسُ {يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أَيْ: يُؤْمِنُ بِشَرْعِ اللَّهِ، وَيَخَافُ وَعِيدَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ (٥) وَمَا فِيهَا مِنَ الْجَزَاءِ {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} أَيِ: اتِّبَاعُكُمْ شَرْعَ اللَّهِ فِي رَدِّ الْمُولِيَاتِ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَتَرْكِ الْحَمِيَّةِ فِي ذَلِكَ، أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} أَيْ: مِنَ الْمَصَالِحِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أَيِ: الْخَيْرَةُ فِيمَا تَأْتُونَ وَلَا فِيمَا تَذَرُونَ.

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣) }


(١) صحيح البخاري برقم (٤٥٢٩) .
(٢) سنن أبي داود برقم (٢٠٨٧) وسنن الترمذي برقم (٢٩٨١) وتفسير الطبري (٥/١٧، ١٨) ولم يعزه المزي في تحفة الأشراف لسنن ابن ماجة.
(٣) في أ: "فقال له وكيع".
(٤) في جـ: "ابن جريج".
(٥) في جـ: "في الدنيا والآخرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>