للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: {نزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} وَهُوَ الْقُرْآنُ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا بِالْفُرْقَانِ: التَّوْرَاةُ فَضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ} أَيْ: جَحَدُوا بِهَا وَأَنْكَرُوهَا، وَرَدُّوهَا بِالْبَاطِلِ {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {وَاللَّهُ عَزِيزٌ} أَيْ: مَنِيعُ الْجَنَابِ عَظِيمُ السُّلْطَانِ {ذُو انْتِقَامٍ} أَيْ: مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ (١) وَخَالَفَ رُسُلَهُ الْكِرَامَ، وَأَنْبِيَاءَهُ الْعِظَامَ.

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، [وَ] (٢) لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} أَيْ: يَخْلُقُكُمْ كَمَا يَشَاءُ فِي الْأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، [وَ] (٣) حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَشَقِيٍّ وَسَعِيدٍ {لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أَيْ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْإِلَهِيَّةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَهُ الْعِزَّةُ الَّتِي لَا تُرَامُ، وَالْحِكْمَةُ وَالْأَحْكَامُ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا تَعْرِيضٌ بَلْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ مَخْلُوقٌ، كَمَا خَلَقَ اللَّهُ سَائِرَ الْبَشَرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (٤) صَوَّرَهُ فِي الرَّحِمِ وَخَلَقَهُ، كَمَا يَشَاءُ، فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا كَمَا زَعَمَتْهُ النَّصَارَى -عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ-وَقَدْ تَقَلَّبَ فِي الْأَحْشَاءِ، وَتَنَقَّلَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:} يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزُّمَرِ: ٦]

{هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، أَيْ: بَيِّنَاتٌ وَاضِحَاتُ الدَّلَالَةِ، لَا الْتِبَاسَ فِيهَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَمِنْهُ آيَاتٌ أُخَرُ فِيهَا اشْتِبَاهٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ بَعْضِهِمْ، فَمَنْ رَدَّ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى الْوَاضِحِ مِنْهُ، وَحَكَّمَ مُحْكَمَهُ عَلَى مُتَشَابِهِهِ عِنْدَهُ، فَقَدِ اهْتَدَى. وَمَنْ عَكَسَ انْعَكَسَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} أَيْ: أصله


(١) في جـ، ر: "آياته".
(٢) زيادة من جـ.
(٣) زيادة من جـ، و.
(٤) زيادة من جـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>