للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين الشام والمدينة، أراد الاتحاديون أن يفصلوا المدينة عن سلطة شريف مكة ويلحقونها بالشام، فانتدبوا في رضا الركابي، وهو من نوابغ الضباط السوريين، وكان لم ينضم إلى القوميين العرب، وإنما بقي ولاؤه خالصًا للعثمانيين.

انتدب الاتحاديون علي رضا الركابي فجاء إلى المدينة وسعى لتحقيق طلب الانفصال، يقول زيدان: فالقدامى من الأسر لم يلَّبوا طلبه، والمحدثون منهم كانوا له، ولم يشذ عن الأسر القومية إلا الشيخ أبو الحسن السمان.

استطاع الركابي أخذ تواقيع أهل المدينة الذين أشرنا إليهم على مضبطة يطلبون فيها فصل المدينة عن مكة وضم المدينة إلى الشام، وكانت الأسباب التي استندوا إليها هي سرعة الاتصال، القطار والتلغراف.

وكان وصول التلغراف إلى المدينة سنة ١٣١٨ هـ، وكان في خفارة علي ناصر.

يقول زيدان: وتم فصل المدينة، والواقع أن ذلك قد يسَّرَ كثيرًا من الأعمال بينما شريف مكة الحسين بن علي يرحمه الله قد غضب، فعاتب السمان لأنه ابن لصديقه، كان مُرَّا في عتابه، وقاسيًا في شكيمته، ولكن لا حول ولا قوة له، فمضى الأمر (١).

[إحسان الله البواب الجاسوس]

عرفت وعرف معي أهل جدة إحسان الله الهندي الذي كان يعمل نائبًا للقنصل الإنجليزي بجدة في أواخر العهد الهاشمي وأوائل العهد السعودي، وكان رجلا عظيم النفوذ لدى الإنجليز، أو هكذا كان يتصوره الناس وخصوصًا أولئك الذين ترتبط مصالحهم بحجاج الهند، وكانت الهند مستعمرة انجليزية، وكنت اسمع الناس يتحدثون عن إحسان الله هذا ويصفونه بأنه كان بوابًا في المسجد النبوي الشريف لسنوات طويلة بالمدينة المنورة، وقد أيَّد الأستاذ حسين زيدان هذه الرواية وذكر عنها ما خلاصته:

أنه رجل من مسلمي الهند بقي مدة ثمانية عشر عامًا في المدينة المنورة بوابًا على باب النساء أحد أبواب المسجد النبوي، وتربطه صلات قرابة بكل من: عبد الحق النقشبندي، وعبد الحميد عنبر من جهة النساء، وكانت هذه القرابة هي الساترة لأحواله، ولم يعرف عنه أهل المدينة إلا أنه البواب على باب المسجد - وبواب المسجد هو الذي توضع لديه أحذية الداخلين إلى المسجد لحفظها في أدراج خاصة خارج المسجد - إلى جانب مراقبة ما يجب منع دخوله إلى المسجد.

يقول الزيدان ما معناه:

وكم كان استغراب أهل المدينة الذين رحَّلهم فخري باشا إلى الشام ومنهم زين صافي، وزين مدني، وأسعد طرابزوني وإبراهيم شاكر وغيرهم، كم كان استغرابهم عظيما حينما


(١) ذكريات العهود الثلاثة ص ٤١/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>