للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحافظ أيضًا بعد ذكر حديث صفوان بن يعلى: وقد خفي وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب على كثير من الأئمة حتى قال ابن كثير في "تفسيره": ذكر هذا الحديث في الترجمة التي قبل هذه أظهر وأبين، فلعل ذلك وقع من بعض النساخ، قال ابن بطال: مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متلوًّا كان أو غير متلوٍ إنما نزل بلسان العرب، ولا يرد على هذا كونه - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى الناس كافة عربًا وعجمًا وغيرهم؛ لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم، ولذا قال ابن المنيِّر: كان إدخال هذا الحديث في الباب الذي قبله أليق، لكن لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسُّنَّة كان على صفة واحدة ولسان واحد، انتهى.

[(٣ - باب جمع القرآن)]

المراد بالجمع ههنا جمع مخصوص وهو جمع متفرقه في صحف ثم جمع تلك الصحف في مصحف واحد مرتب السور، وسيأتي بعد ثلاثة أبواب "باب تأليف القرآن" والمراد به هناك تأليف الآيات في السورة الواحدة أو ترتيب السور في المصحف، انتهى من "الفتح" (١).

وقد جمع القرآن ثلاث مرات، قال الخطابي: إنما لم يجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بموته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، وكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر - رضي الله عنهما -، وقد كان القرآن كله كتب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن غير مجموع في موضح واحد ولا مرتب السور، ولهذا قال الحاكم: جمع القرآن ثلاث مرات: أحدها: بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخرج بسنده على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: "كنا جلوسًا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نؤلف القرآن في


(١) "فتح الباري" (٩/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>