للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦ - باب من حلف على الشيء وإن لم يحلّف)

وقد أطلق بعض الشافعية أن اليمين بغير استحلاف تكره فيما لم تكن طاعة، والأولى أن يعبّر بما فيه مصلحة، قال ابن المنيِّر (١): مقصود الترجمة أن يخرج مثل هذا من قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] يعني: على أحد التأويلات فيها لئلا يتخيل أن الحالف قبل أن يستحلف يرتكب النهي، فأشار إلى أن النهي يختص بما ليس فيه قصد صحيح كتأكيد الحكم؛ كالذي ورد في حديث الباب من منع لبس خاتم الذهب، انتهى من "الفتح" (٢).

وأبدى بعض الشرَّاح لحلفه - صلى الله عليه وسلم - وجهًا وجيهًا حكاه القسطلاني (٣) إذ قال: قال المهلب: إنما كان - صلى الله عليه وسلم - يحلف في تضاعيف كلامه وكثير من فتواه متبرعًا بذلك لنسخ ما كانت عليه الجاهلية في الحلف بآبائهم وآلهتهم؛ ليعرّفهم أن لا محلوف به سوى الله تعالى؛ وليتدربوا على ذلك حتى ينسوا ما كانوا عليه من الحلف بغيره تعالى، انتهى.

[(٧ - باب من حلف بملة سوى الإسلام. . .) إلخ]

قوله: (بملة) هي نكرة في سياق الشرط، فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة وأهل الأوثان والدهرية والمعطلة وغيرهم، ولم يجزم المصنف بالحكم هل يكفر الحالف بذلك أو لا؟ لكن تصرفه يقتضي أن لا يكفر بذلك؛ لأنه علّق حديث: "من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله" ولم يذكر كفارة، قال ابن المنذر: اختلف فيمن قال: أكفر بالله ونحو ذلك إن فعلت ثم فعل، فقال جمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه ولا يكون كافرًا إلا إن أضمر ذلك بقلبه، وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق: هو يمين،


(١) "المتواري" (ص ٢٢٢).
(٢) "فتح الباري" (١١/ ٥٣٧).
(٣) "إرشاد الساري" (١٤/ ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>