للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الكرماني: فدعا لهم وتصدق بديته على المسلمين، وقال الخطابي فيه: أن المسلم إذا قتل صاحبه خطأ عند اشتباك الحرب لازدحامات لا شيء عليه، وكذلك في جميع الازدحامات، إلا إذا فعله قاصدًا لهلاكه، انتهى.

قلت: وكذا الحكم عندنا الحنفية، ففي "الدر المختار" (١): لا قود بقتل مسلم مسلمًا ظنه مشركًا بين الصفين لما مرّ أنه من الخطأ، بل القاتل عليه كفارة ودية، قالوا: هذا إذا اختلطوا، فإن كان في صف المشركين لا يجب شيء لسقوط عصمته، قال عليه الصلاة والسلام: "من كثر سواد قوم فهو منهم"، انتهى.

وفي "الهداية" (٢): وإذا التقى الصفان من المسلمين، والمشركين، فقتل مسلم مسلمًا ظنَّ أنه مشرك فلا قود عليه، وعليه الكفارة؛ لأن هذا أحد نوعي الخطأ على ما بيّناه، والخطأ بنوعيه لا يوجب القود، ويوجب الكفارة، وكذا الدية على ما نطق به نص الكتاب، ولما اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدية، انتهى.

[(١٦ - باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له)]

قال الإسماعيلي: قلت: ولا إذا قتلها عمدًا، يعني: أنه لا مفهوم لقوله: خطأ، والذي يظهر أن البخاري إنما قيّد بالخطأ لأنه محل الخلاف، قال ابن بطال: قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: تجب ديته على عاقلته، فإن عاش فهي له عليه، وإن مات فهي لورثته، وقال الجمهور: لا يجب في ذلك شيء، وقصة عامر هذه حجة لهم إذ لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب في هذه القصة له شيئًا، ولو وجب لبيَّنها إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقد أجمعوا [على] أنه لو قطع طرفًا من أطرافه عمدًا أو خطأً لا يجب فيه شيء، انتهى (٣).


(١) "رد المحتار" (١٠/ ١٧٨).
(٢) "الهداية" (٢/ ٤٤٧).
(٣) "فتح الباري" (١٢/ ٢١٨)، "شرح ابن بطال" (٨/ ٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>