للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبالجملة، فإثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى، أمر أرشدت إليه الفطرة السليمة، ودلت عليه آيات الكون وأسرار الخلق؛ فلا يحتاج في البرهنة عليه إلى الأدلة العقلية المحضة، والأقيسة المنطقية التي لا يهتدي إلى غوامض دقائقها إلا دهاقنة علم الكلام، وجهابذة فنون العقليات. هذا مع كون هذه الأدلة منقوضة على أصحابها بأدلة عقلية مثلها أو أقوى منها!!

فهل من خسران أعظم، وخذلان أشد من أن يفني العالم عمره كله في إيراد الأدلة العقلية المثبتة لوجود الصانع عز وجل، ثم لا يخرج من ذلك كله بغير الشك والحيرة والضلال؟! نسأل الله الثبات على دين الإسلام.

المبحث الثالث: الشرك في الربوبية على سبيل التشريك

ومعناه إثبات وجود خالقين غير الله عز وجل، وهو المشار إليه بقولي في النظم: "أو ادعاء خالق مضارع". وهذا النوع الثاني أكثر من الأول، وأشهر أصحابه المجوس الثنوية، الذين يثبتون إلهين اثنين: إله النور وإله الظلمة، ويجعلون إله النور هو خالق الخير، وإله الظلمة هو خالق الشر. ومع إثباتهم لخالقين اثنين، فإنهما عندهم غير متساويين مطلقا، بل النور أفضل من الظلمة من اعتبارات متعددة.

وأما مجوس هذه الأمة – كما ورد بذلك الحديث (١) - فهم القدرية نفاة القدر، فإنهم يزعمون أن الله جل ثناؤه لم يخلق كفر الكافر ولا معصية العاصي، وإنما الكافر نفسه خلق كفره، والعاصي خلق معصيته. فأشبهوا المجوس في تشريكهم غير الله تعالى معه في الخلق، وزادوا عليهم في الضلال، إذ لم يكتفوا مثلهم بإثبات شريك واحد في الخلق، بل جعلوا كل المخلوقين خالقين!!.


(١) رواه أبو داود في السنة-باب في القدر برقم: ٤٦٩٢ (٢/٤١٠) ، وأحمد في باقي مسند الأنصار برقم: ٢٢٣٥٩.

<<  <   >  >>