للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل ما يمر بهم من الشوارد والفوائد والفرائد (١) ، وما تجود به أرْيَحِيَّتهم النقية، وبذُرْعة وواسطة حرصهم وسهرهم أدركوا ونضجوا وأينعوا، وترفرفت عليهم ألوية الحكمة العميقة الجذور، والمترعرعة الأفنان، وتعلموا وعلِموا وعلّموا، واستنبطوا بقريحتهم الجياشة بحوثا وأحكاما زاملهم فيها مبين النصر والنجاح والفلاح، واستخذى وتطامن وقنب وبخع وخضع لهم اليراع، وعرجوا الفوائد في الأوراق رقما، وأصحت نَحِيزتهم وشنشنتهم (٢) ونحيتهم الغوص في بطون الأمات (٣) الست وأذلالها. رأيتهم قد أتوا فهوما وعلوما وذكاء وزكاء، وتصدروا بعد أن تأهلوا، وتزببوا بعد أن تحصرموا، لسانهم سئول وقلبهم عقول، وبدنهم غير ملول، يجيدون حسن السؤال، (يسألون تفقها لا تعنتا) . ويجيدون حسن الإنصات والاستماع، وحسن الفهم والحفظ، والعمل ومراعاة الحدود، وحسن التعليم، فلا يضغطون على عكد اللسان والشفتين إلا ليعبروا عن غيرتهم الدينية المضمرة في النياط، فأحببتهم في أول لقاء ووقتئذ رمقت فيهم شابا عاقلا سئولا يدعى (أبو محمد البشير عصام المراكشي) . رأيته مطلقا طلقا، سهل المرام، قريب المتناول مباح الحمى، إن قورع قرع، وإن جوري جرى، يبتسم بحساب، ويضحك بحساب، ويأكل بحساب، ويشرب بحساب، ويعمل بحساب، وينام بحساب، ويجلس مع الأصدقاء بحساب، ويتكلم بحساب، ويسأل بلا حساب، ويقرأ بلا حساب، همته عالية، (يعشق) الشدائد


(١) - شأنهم في ذلك شأن ابن القيم في (فوائده) وابن الجوزي في (صيد الخاطر) .
(٢) - الشنشنة: هي العادة والطبيعة والخليقة والسجية والضريبة والشيمة والدربة والنحية والنحيزة والبنية والجبلة والديدن، وفي المثل: (شنشنة أعرفها من أخزم) . وأخزم هذا كان رجلا عاقا لأبيه، فمات، وترك بنين عقوا جدهم وضربوه وأدموه فقال ذلك، كما في (اللسان-شنن) وفي (مجمع الأمثال) (١/٣٦١) للميداني (الحدوشي) .
(٣) - الأمات: الأصل فيه أن يكون لغير عاقل، والأمهات أن يكون للعاقل (الحدوشي) .

<<  <   >  >>