للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فقد يقال: ما أنت بمصدق لنا. فالجواب أن اللام تدخل على ما يتعدى بنفسه إذا ضعُف عملُه، إمَّا بتأخيره أو بكونه اسمَ فاعلٍ أو مَصدرا، أو باجتماعهما، فيقال فلان يعبد الله ويخافه ويتقيه، ثم إذا ذكر باسم الفاعل قيل، هو عابد لربه، متق لربه، خائف لربه، كما أنه إذا ذكرتَ الفعل وأخرتَه، تُقوِّيه باللام كقوله: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} وقوله {إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} مع أنك تقول: يرْهَب ربه ويعبر رُؤياه.

الوجه الثاني: أن لفظَ الإيمانِ ليس مُرادفا للفظ التصديق في المعنى، فإن كلَّ مُخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت، وأما لفظ الإيمان فلا يُستعملُ إلا في الخبر عن غائبٍ، وذلك أنه مشتق من الأمن، فإنما يستعمل في خبرٍ يُؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب، ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ آمن له إلا في هذا النوع.

الوجه الثالث: أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابَلْ بالتكذيب كلفظ التصديق، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادقٌ لكن لا أتبعك، بل أعاديكَ وأُبْغِضُك وأخالفك ولا أوافقك، لكان كفرُه أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، عُلم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط.

الوجه الرابع: أن الإيمانَ في اللغة مشتق من الأمن الذي هو ضد الخوف، فهو متضمن مع التصديق معنى الائتمان والأمانة كما يدل عليه الاستعمالُ والاشتقاق، أما التصديق فلا يتضمن شيئا من ذلك.

<<  <   >  >>