للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقبل الشروع في إبراز أدلة زيادة الإيمان ونقصانه، نُقرِّر التلازمَ المذكور في البيت الثاني، فنقول: إنَّ كلَّ دليلٍ دل على زيادة الإيمان فإنه يدل أيضا على نقصانه، وكذلك العكس، وذلك لأن الزيادةَ تستلزم النقصَ. قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لباب زيادة الإيمان ونقصانه من صحيح البخاري:» ثم شرع المصنف - يقصد الإمام البخاري - يستدل لذلك بآيات من القرآن مصرحةٍ بالزيادة، وبثبوتِها يَثبُتُ المُقابل، فإنَّ كل قابل للزيادة قابلٌ للنقصان ضرورةً « (١) . ولما أورد البخاري قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} ، قال:» فإذا تَرك شيئا من الكمال فهو ناقص « (٢) . قال الحافظ في الشرح:» ... وأما الكمال فليس نصا في الزيادة، بل هو مستلزم للنقص فقط، واستلزامه للنقص يستدعي قبوله للزيادة « (٣) . وقال الإمام أحمد:» إنْ كان قبلَ زيادته - أي الإيمان - تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص « (٤) .

وقال ابن حزم:» فإذ قد وضح وجودُ الزيادة في الإيمان (..) فبالضرورة ندري أن الزيادة تقتضي النقص ضرورةً ولابُدَّ، لأن معنى الزيادة إنما هي عدد مضاف إلى عدد، وإذا كان ذلك فذلك العدد المضاف إليه هو بيقين ناقصٌ عند عدم الزيادة فيه.. « (٥) . وقال البيهقي:» فثبت بهذه الآيات - يقصد الآيات المصرحة بزيادة الإيمان - أن الإيمانَ قابلٌ للزيادة، وإذا كان قابلا للزيادة فعُدِمت الزيادة كان عدمُها نُقصانا « (٦) .

إذا تقرَّر هذا التلازُمُ، فاعلم بأن الأدلة على زيادة الإيمان كثيرة جدا، سوف أكتفي فيما يلي بذكر أشهرها وأصرحها.

من القرآن:


(١) - فتح الباري: ١/٤٧.
(٢) - صحيح البخاري (مع الفتح) : ١/١٠٣.
(٣) - فتح الباري: ١/١٠٤.
(٤) - السنة للخلال: ١٠٣٠.
(٥) - الفصل: ٢/٢١٨.
(٦) - شعب الإيمان:١/٦٠.

<<  <   >  >>