للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فتبين من النقول السابقة أن الأحناف والأشاعرة غير مخالفين لأهل السنة في الأحكام، إذ الفريقان متفقان على أن من أتى بقول أو فعل مكفر، فإنه كافر ظاهرا وباطنا، وإنما الخلاف في هذا الكفر هل هو لذات القول أو العمل، أم هو بسبب انتفاء تصديق القلب؟ وهذا ما جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول:" فإن كثيرا من النزاع فيها نزاع في الإسم واللفظ دون الحكم" (١) . وتبعه على ذلك جمع من أهل العلم. وهذا صحيح في الجملة ولكن ينبغي التنبيه على الأمور التالية.

هذا المذهب – أعني مذهب الأحناف والأشاعرة- مذهب مبتدع مخالف لإجماع أهل السنة الذي سبق توضيحه. وكل بدعة ضلالة، ولو لم يكن لها تأثير في العمل، بل إن غالب البدع العقدية التي أنكرها السلف، واشتد دفعهم لها، إنما هي من قبيل البدع الإعتقادية التي قد لا يترتب عليها عمل، فتأمل!

هذا القول المبتدع مخالف أشد المخالفة للنصوص الكثيرة الدالة على التكفير بمجرد العمل بغض النظر عن تصديق القلب أو تكذيبه، وقد سبق ذكر بعضها. قال ابن تيمية رحمه الله: "ونصوص القرآن في غير موضع تدل على أن الكفار كانوا في الدنيا مصدقين بالرب، حتى فرعون الذي أظهر التكذيب كان في باطنه مصدقا، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} ، وكما قال موسى لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاء إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} ومع هذا لم يكن مؤمنا" (٢) .

هذا القول لا يعدو أن يكون تلفيقا جرهم إليه تحري التوفيق بين مذهبهم في حقيقة الإيمان، وبين نصوص الكتاب والسنة الدالة على تكفير من أتى ببعض الأعمال المجردة. وعلاوة على كون هذا القول متناقضا، فإنه ليس لهم فيه أي مستند من الكتاب أو السنة، وإنما هو محض الرأي والهوى.


(١) - مجموع الفتاوى: ١٣/٣٨.
(٢) - مجموع الفتاوى: ٧/١٥١.

<<  <   >  >>