للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشافعي رضي الله عنه: لا يضمن لأن الشرع أذن له في القطع فصار كأن الجاني أذن له بنفسه ولو أذن له بنفسه في القطع ثم سرى إلى النفس لم تضمن وفاقًا.

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: تضمن لأن الشرع أذن له بشرط سلامة العاقبة وهو مخير فيه بخلاف الإمام إذا قطع يد السارق فسرت إلى نفسه؛ فإنه لا يضمن لكونه مكلفًا بفعله.

واعلم أن هذا الأصل الذي بنيت هذه المسألة عليه مخصص بالعقوبات المقدرة ليخرج التعزير؛ فإنه مشروط بسلامة العاقبة.

وينبغي أن يقال: المأذون شرعًا من العقوبات إما واجب الفعل أو جائره والأول إما لحق الآدمي أو لمحض حق الله تعالى والأول، إما لمصلحة المعاقب بكسر القاف أو المعاقب بفتحها أو لأعم من ذلك وهو ما كان للمصالح العامة.

مأخذ:

اسم الزنا حقيقة في الزاني والزانية، ويسمى اللفظ متحدًا والتعدد إنما هو في محاله، وتناول الزنا لكل واحد منهما على حد سواء بدليل قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} ١ ولذلك استويا في العقوبة؛ بل نسبة الوطء إلى النساء أنسب من نسبته إلى الرجال فلقد عهدنا من فصاحة العرب العرباء إضافته إلى النساء -لأنه أبلغ المعاني المقصودة منهن- أكثر من إضافته إلى الرجال ومن ثم قدم الله لفظة الزانية على الزاني.

وكان تعبير الغزالي وغيره من أصحابنا -باب نكاح المشركات أحسن من أن يعبر بنكاح المشركين على خلاف ما قال الرافعي حيث زعم أن أحد اللفظين ليس أولى من الآخر.

ونظير المسألة ما قدمناه من تناول النكاح لكل من الرجل والمرأة تناولًا واحدًا.

وقال أبو حنيفة رحمه الله: "الاسم يطلق على الرجل حقيقة وعلى المرأة مجازًا؛ لأن الزنا عبارة عن الفعل ولا فعل لها، بل هي محل الفعل وممكنة فيه".

ومن ثم اختلف الإمامان في البالغة العاقلة تمكن صبيًا أن ينزل على رجل مكره مضبوط فيستدخل ذكره فقال الشافعي رحمه الله: "يلزمها الحد لأنها زانية".


١ سورة النور "٢".