قدم فألقه، ثم فاتحه حتى تأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم.
قال: فلقيته فسالته فذكر لي نحو ما حدثني به في المرة الأولى. قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق أراه لم يزد فيه شيئا، ولم ينقص. "ا. هـ. من أعلام الموقعين ١-٤٣".
فهذا من عائشة رضي الله عنها، اختبار لحفظ عبد الله بن عمرو، فأول مرة تشككت في ضبطه ثم لما وجدته في المرة الثانية، لم يزد في الحديث حرفا ولم ينقص، وقد مضى على ذلك عام كامل، علمت أنه حافظ للحديث جيد الضبط فصدقته وقبلت حديثه.
وهذه الآثار -وغيرها كثير- تدل دلالة واضحة على أن الصحابة، كانوا يتثبتون في أمر الحديث، ويزنون الراوي والمروي بميزان النقد العلمي الصحيح، وهذا أمر طبيعي بعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، فقد كان في حياته، يكفيهم هذه المهمة كما أشرنا من قبل.
ج- منع الصحابة الرواة من التحديث بما يعلو على فهم العامة:
تقدم لك الإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخص بنوع من العلم من يرى عليه أثر النبوغ، والفهم من الصحابة، وكان يمنعهم من أن يحدثوا العامة بذلك، خشية ألا يفهموه فيفتتنوا. روى البخاري في كتاب العلم من صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راكبا، ومعاذ رديفه على الرحل فقال:"يا معاذ بن جبل". قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال:"ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله صدقا من قلبه، إلا حرمه الله على النار". قال معاذ: يا رسول الله أفلا أخبر الناس فيستبشروا. قال:"إذن يتكلوا". وأخبر بذلك معاذ عند موته تجنبا لإثم كتمان العلم.
وهذا عمر بن الخطاب يرد أبا هريرة -وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم، أن يبشر الناس بمثل ما في حديث معاذ- ويقول: ارجع