للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا أبا هريرة، ويدخل عمر من فوره على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول له:

يا رسول الله أنت قلت لأبي هريرة كذا وكذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فقال عمر: لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس فخلهم يعملون. وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقال: "فخلهم"، رواه مسلم في كتاب الإيمان. وروى في مقدمة صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"، وذلك؛ لأن تحديث العامة بكل شيء -ومعلوم أن عقولهم لا تهضم كل شيء- مدعاة إلى تكذيبهم للمحدث فيما لا يفهمونه، وبذلك تضيع ثقتهم به، ولعلهم إن لم يكذبوه، وعملوا بما فهموا تركوا بعض الأحكام الشرعية، وكان هو كالكاذب على الله ورسوله، فقد صرفهم عن العمل بأحكام الدين بسبب تحديثهم بما يعلو على أفهامهم، وكفى بذلك كذبا.

بل نقول: أن تحديث العامة بما يعلو على أفهامهم، مدعاة لارتيابهم في الدين نفسه، ولهذا قال ابن عباس: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله".

هذا وقد سار الصحابة على هذا الهدي النبوي، في ذلك العصر فامتنعوا عن التحديث بما لا تدركه عامة الناس، خشية أن يفتنوا فيتركوا بعض الفرائض الدينية. يروي مسلم في مقدمة صحيحه، عن ابن مسعود أنه قال: "ما أنت محدث قوماحديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة"، ويروي البخاري عن أبي هريرة أنه كان يقول: "حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم"، ويروى عن علي أيضا، "حدثوا الناس بما يعرفون. أتحبون أن يكذب الله ورسوله"، وروى ابن عبد البر مثل ذلك، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وما زال الصحابة والتابعون، والأئمة من بعدهم يكرهون التحديث بما يكون مثار فتن، وقلاقل بسبب قصور بعض الناس

<<  <   >  >>