للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعبجني من انسجامات ابن سنا الملك قوله:

دنوت وقد أبدى الكرى منه ما أبدى ... فقبلته في الثغر تسعين أو إحدى١

وأبصرت في خديه ماء وخضرة ... فما أملح المرعى وما أعذب الوردا

تلهب ماء الخد أو سال جمره ... فيا ماء ما أذكى ويا جمر ما أندى

أقول لناه قد أشار بتركه ... لقد زدتني فيما أشرت به زهدا

فلم لا نهيت الثغر أن يعذب اللمى ... ولم لا أمرت الصبر أن يكتم النهدا٢

وأقسم ما عندي إليه صبابة ... وكيف وجور الشوق لم يبق لي عندا

وفي القلب نيران الخليل توقدت ... وما ذقت منها لا سلامًا ولا بردا٣

ومثله قوله، ويعجبني إلى الغاية:

نعم المشوق وأنعم المعشوق ... فالعيش كالمخصر الرقيق رقيق

خصر أدير عليه معصم قبلة ... فكأن تقبيلي له تعنيق

ونعم لقد طرق الحبيب وماله ... إلا خدود العاشقين طريق

فرشوا الخدود طريقه فكأنما ... زفراتهم لقدومه تطريق٤

وافى وصبح جبينه متنفس ... وأتى وجيد رقيبه مخنوق٥

قصنعته فيه صناعة شعرية ... فالصدر يرحب والعناق يضيق

ومثله قوله، وهو في غاية الظرف:

لا أجازي حبيب قلبي بجرمه ... أنا أحنى عليه من قلب أمه

ضن عني بريقه فتحيلـ ... ـت إلى أن سرقته عند لثمه

وإلى اليوم من ثلاثين يومًا ... لم تزل من فمي حلاوة طعمه

إن قلبي لصدره ورقادي ... ملك أجفانه وروحي لجسمه

يكسر الجفن بالفتور ومالي ... عمل وقت كسره غير ضمه


١ أو إحدى وتسعين قبلة.
٢ اللمى: سمرة في الشفاه. النهد: الثدي إذا نهد في الصدر.
٣ نيران الخليل: تلميح إلى قصة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، وإلقائه في النار بعد تحطيم الأصنام.
٤ التطريق: وقع الخطى.
٥ مخنوق: مزنّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>