أما بعد حمد الله تعالى الذي خلقنا على السنة نعتقد العشرة، والصلاة والسلام على خير الخلق محمد وآله وصحبه الكرام البررة، فهذا "منجد المقرئين ومرشد الطالبين". قال أبو القاسم الهذلي: سأل مالك رضي الله عنه نافعا عن البسملة فقال: السنة الجهر بها. فسلم إليه وقال: كل علم يسأل عن أهله. ولا شك عند كل ذي لب أن من تكلم في علم ولو كان إماما فيه، وكان العلم يتعلق بعلم آخر وهو غير متقن لما يتعلق به داخله الوهم والغلط عند حاجته إليه. ولا ينبغي لمن وهبه الله عقلا وذهنا وعلما أن يهجم على كل ما وقع، ولكن ينظر كما نظر من قبله فالحق أحق أن يتبع. إيش أقول ألهمم القاصرة تصير سائر العلوم داثرة، والتزاحم على مناصب الدنيا زهد المشتغلين عن طلب الدرجة العليا لا حول ولا قوة إلا بالله.
آها على الأعلام كيف تغيبوا ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع
ما قيل ما قد قيل إلا أنه ... خلت الديار فليس إلا بلقع
أيها الإخوان، أنى لكم أن تظنوا الظنون؟ ألم تسمعوا قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩] هبوا أنه لم يسعكم نقله كيف يسعكم جهله؟ وهذه أوراق أرسلتها العراك ونصبتها عليكم كالشباك، عسى أن يكون فيها سعيد {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: ٣٧] ما عصم إلا الأنبياء ولو ورثهم العلماء ولا تقليد في الاعتقاد والله أسأل السداد.
وجعلتها سبعة أبواب: الباب الأول في القراءات والمقرئ والقارئ وما يلزمهما.
الباب الثاني: في القراءة المتواترة والصحيحة والشاذة واختلاف العلماء في ذلك وإيضاح الحق منه.
الباب الثالث: في أن العشرة لا زالت مشهورة من لدن قرئ بها، وإلى اليوم لم ينكرها أحد من السلف ولا من الخلف.
الباب الرابع: في سرد مشاهير من قرأ بها وأقرأ في الأمصار إلى يومنا هذا.