قال: جميع ما قرأ به قراء الأمصار مما اشتهر عنهم حيث قال: استفاض نقله ولم يدخل في حكم الشذوذ بل رآه سائغا جائزا من همز وإدغام ومد وتشديد وحذف وإمالة أو ترك ذلك كله أو شيء منه أو تقديم أو تأخير فإنه كله منزل من عند الله تعالى ومما وقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- على صحته وخير بينه وبين غيره وصوب جميع القراء به. قال: ولو سوغنا لبعض القراء إمالة ما لم يمله الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة أو غير ذلك لسوغنا لهم مخالفة جميع قراءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم أطال رحمه الله الكلام على تقدير ذلك وجوز أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرأ واحدا بعض القرآن بحرف وبعضه بحرف آخر على ما قد يراه أيسر على القارئ.
قلت: وظهر من هذا أن اختلاف القراء في الشيء الواحد مع اختلاف المواضع قد أخذه الصحابي كذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقرأه كذلك إلى أن اتصل بالقراءة نحو قراءة حفص {مَجْرَاهَا}[هود: ٤١] بالإمالة فقط ولم يمل في القرآن غيره، وقراءة ابن عامر "إبراهام" في مواضع محصورة، وقراءة أبي جعفر "يُحزِن"[الأحزان: ٥١] بضم الياء وكسر الزاي في الأنبياء فقط وفتح الياء وضم الزاي في باقي القرآن، وقراءة نافع عكسه في جميع القرآن بضم الياء وكسر الزاي إلا في الأنبياء فإنه فتح الياء وضم الزاي وشبه ذلك مما يقول القراء عنه أجمع بين اللغتين. وليت الإمام ابن الحاجب أخلى كتابه من ذكر القراءات وتواترها كما أخلى غيره كتبهم منها، وإذ قد ذكرها فليته لم يتعرض إلى ما كان من قبيل الأداء، وإذ قد تعرض فليته سكت عن التمثيل فإنه إذا ثبت أن شيئا من القراءات من قبيل الأداء لم يكن متواترا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتقسيم وقف حمزة وهشام وأنواع تسهيله فإنه وإن تواتر تخفيف الهمز في الوقف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يتواتر أنه وقف على موضع خمسين وجها ولا بعشرين ولا بنحو ذلك وإنما إن صح شيء منها فوجه والباقي لا شك أنه من قبيل الأداء. ولما قال ابن السبكي في كتابه "جمع الجوامع" و"السبع متواترة" قيل: فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه سئل عن زيادته على ابن الحاجب قيل: المقتضية لاختياره أن ما هو من قبيل الأداء كالمد والإمالة إلى آخره متواتر. فأجاب رحمه الله في كتابه "منع الموانع"؛ اعلم أن السبع متواترة والمد متواتر والإمالة متواترة، كل هذا بين لا شك فيه، وقول ابن الحاجب فيما ليس من قبيل الأداء صحيح لو تجرد عن قوله كالمد والإمالة لكن تمثيله بهذا أوجب فساده كما سنوضحه من بعد فلذلك قلنا "قيل" ليتبين أن القول بأن المد والإمالة والتخفيف غير متواترة ضعيف عندنا بل هي متواترة ثم أخذ بذكر المد والإمالة