للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مستغرق، فتقييده بالوجود مخصص، فلا يبقى النفي على عمومه المراد منه، فلا يكون هذا إقرارا بالوحدانية على الإطلاق١.

قال الأندلسي٢: "لا إله حقيقة إلا من له الخلق والأمر، لابد أن يكون موجودا فينعكس بعكس النقيض فما ليس موجودا ليس بإله. والمراد بقوله "في الوجود" مسمى الوجود الصادق على العيني والذهني، فنفي الإله عن الوجود نفي لحقيقته".

وفي ريّ الظمآن٣: "لا يتصور نفي الماهية عندنا إلا مع الوجود. هذا مذهب أهل السنة، خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عارية عن الوجود، والدليل يأبى ذلك".

رابعها: أن يكون الاستثناء مفرغا٤، و"إله " اسم "لا" بني معها، و"إلاّ الله " الخبر٥.


١ قال الرازي: جماعة من النحويين قالوا الكلام فيه حذف وإضمار، والتقدير: لا إله لنا، أو لا إله في الوجود إلا الله.
واعلم أن هذا الكلام غير مطابق للتوحيد الحق، وذلك لأنك لو قلت: التقدير إنه لا إله لنا إلا الله، لكان هذا توحيداً لإلهنا لا توحيدا للإله المطلق ... ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى. (انظر: التفسير الكبير للرازي ٣/١٩٦) .
والإمام فخر الدين يقول في تصانيفه في هذا الموضع: لا يجوز أن يكون الخبر قولنا: في الوجود، لأن مفهوم ذلك أن في العدم في مادة الإمكان معبودا باستحقاق، وذلك كفر، بل يكون الخبر قولنا: في نفس الأمر، ولا نقول في الوجود ...
ذكره القرافي في الاستغناء ص ٣٩٥ ثم قال: والذي قاله الإمام فخر الدين متجه، ولا ينبغي أن يخصص الوجود بالنفي بل يعمم في نفس الأمر. وبهذه الطريقة أيضا تعين أن نقول: لا معبود باستحقاق، فإن نفي المعبود مطلقا ليس بصادق، فإن المعبودات واقعة كثيرا من الشجر والحجر والكواكب وغير ذلك، فلا يصدق الأخبار عن النفي إلا إذا قيّد بالاستحقاق، فلا ينبغي أن نهمل هذه الدقائق، فإنها متعينة الاعتبار شرعا وعقلا ولغة.
وقال الزركشي: قول " لا إله إلا الله" قدر فيه الأكثرون خبر "لا" محذوفا، فقدر بعضهم الوجود، وبعضهم "لنا" وبعضهم "بحق". قال: لأن آلهة الباطل موجودة في الوجود كالوثن. والمقصود نفي ما عدا إله الحق، ونازع فيه بعضهم ونفي الحاجة إلى قيد مقدر محتجا بأن نفي الماهية من غير قيد أعم من نفيها بقيد. والتقدير أولى جريا على القاعدة العربية في تقدير الخبر. وعلى هذا فالأحسن تقدير الأخير، لما ذكر، ولتكون الكلمة جامعة لثبوت ما يستحيل نفيه، ونفي ما يستحيل ثبوته.
(انظر: معنى لا إله إلا الله للزركشي ٨٠_٨١) .
٢ الأندلسي: القاسم بن أحمد بن الموفق اللورقي الأندلسي، سماه بعضهم محمدا وكناه أبا القاسم. إمام في العربية عالم بالقراءات، شرح المفصل، كما شرح الجزولية والشاطبية. مات بدمشق سنة ٦٦١هـ.
(انظر: بغية الوعاة ٢/٢٥٠، كشف الظنون ٢/١٧٧٠) .
٣ ريّ الظمآن: كتاب كبير في التفسير يزيد على عشرين جزءا، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي المرسي، عالم بالأدب والتفسير والحديث والنحو، أصله من مرسية في الأندلس، رحل إلى كثير من البلاد الإسلامية، توفي سنة ٦٥٥هـ. (انظر: الأعلام ٦/٢٣٣، بغية الوعاة ١/١٤٤، معجم المؤلفين ١٠/٢٤٥) .
٤ الاستثناء المفرغ هو الذي يقع في الكلام غير التام_ أي الذي لم يذكر فيه المستثني منه_ غير الموجب_ أي المسبوق بنفي أو شبهه_ فلا عمل لإلاّ، بل يكون الحكم عند وجودها مثله عند فقدها. (انظر: أوضح المسالك ٢/٢٥٣) .
٥ قال ابن هشام في المغني ٦٣٣: وقول بعضهم في "لا إله إلا الله" أن اسم الله سبحانه وتعالى خبر لا التبرئة، ويردّه أنها لا تعمل إلاّ في نكرة منفية، واسم الله تعالى معرفة موجبة. نعم يصح أن يقال إنه خبر لـ"لا" مع اسمها، فإنهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، وزعم أن المركبة لا تعمل في الخبر، لضعفها بالتركيب عن أن تعمل فيما تباعد منها، وهو الخبر..

<<  <   >  >>