لا يعقل لها معنى على وجه التفصيل مثل الوضوء والتيمم والصلاة والصوم والحج وسائر العبادات.
ألا ترى أن الطهارات على اختلاف أنواعها قد اختص كل نوع منها بتعبد مخالف جدا لما يظهر لبادئ الرأي فإن البول والبراز خارجان نجسان يجب فيهما تطهير أعضاء الوضوء دون الاكتفاء على تطهير المخرجين فقط.
والتطهير من ذلك واجب مع نظافة الأعضاء وغير واجب في قذارتها بالأدران والأوساخ إذا فرض عدم وجود الحدث.
ثم التراب من شأنه التلويث يقوم مقام الماء الذي من شأنه التنظيف.
وأوقات الصلوات الخمس لا توجد فيها مناسبة تعقل لإقامة الصلوات فيها دون غيرها من الأوقات.
والصيام والحج نجد فيهما من التعبدات غير المعقولة شيئا كثيرا.
وهكذا توجد سائر العبادات إلا قليلا منها ظهر فيه معنى مناسب فهم من الشارع فاعتبر به.
لقد صدق على رضى الله عنه:"لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه".
لذلك التزام الإمام مالك بن أنس رحمه الله في العبادات عدم الالتفات إلى المعاني وإن ظهرت لبادئ الرأي وقوفا منه رحمه الله مع ما فهم من مقصود الشارع في التعبدات من التسليم لها على ما هي عليه بخلاف العادات فهي جارية على المعاني المناسبة الظاهرة للعقول فإن مذهب مالك فيها الرجوع إلى المصالح المرسلة والاستحسان.
الأمر الثالث: أن المصالح المرسلة ترجع إلى حفظ ضروري من الضروريات فهو من باب الوسائل ومالا يتم الواجب إلا به.
أو ترجع إلى دفع جرح لازم فهو من باب التخفيف.
فإذا تقرر ذلك علم أن البدع مخالفة للمصالح المرسلة لأن موضوع المصالح المرسلة: ما عقل معناه على التفصيل مثل الأمور العادية فلذا كانت مظنتها بخلاف العبادات فليس حكمها حكم العادات لاهتداء العقول لها في الجملة وعدم اهتدائها لوجوه التقربات إلى الله تعالى. فلذا لا يقدم على اختراع عبادة لا أصل لها في الشرع.