"كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة" قال: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان ـ وهو أمير المدينة ـ في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجذبني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم والله، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة.
قال ابن حجر وفي رواية عبد الرزاق عن داود بن قيس:"وهو ـ أي: مروان ـ بين أبي مسعود ـ يعني: عقبة بن عمرو الأنصارى ـ، قلت: وهذا يدل على الصلة الوثيقة بين العلماء وولاة الأمور".
ويقول ابن حجر وهو يعدد فوائد الحديث: "وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة، وفيه جواز عمل العالم بخلاف الأَولَى إذا لم يوافقة الحاكم على الأَولى، لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف، فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها، والله أعلم.
ثم نقل عن ابن المنير قوله: حمل أبو سعيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على التعيين، وحمله مروان على الأَولية، واعتذر عن ترك الأَولَى بما ذكر من تغير حال الناس، فر أى أن المحافظة على أصل السنة وهو سماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها، والله أعلم.
ومثل هذا ما ذكر من الوقائع مع عمر بن الخطاب، فما صح من ذلك، فهو نصيحة للأمير أو الوالي مشافهة في الوقت نفسه الذى ظهر فيه ما يخالف السنة، لا تشهيراً وقدحًا وإشاعة لمثالبهم ففي ذلك شر وضرر وفساد كبير.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: لأن الهدف هو الإصلاح، وبهذا الأسلوب يتحقق الإصلاح ـ إن شاء الله ـ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.