للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فيجري لفظ الآية على عمومه، ويشمل حكمه المورد وغيره، فتدل هذه الآية بعمومها على وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن مطلقاً ففيه: أنه لا شك في أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، لكن قد تقرر أيضاً في مقره أن اللفظ لو يحمل على عمومه يلزم التعارض والتناقض، ولو يحمل على خصوص السبب يندفع التعارض، فحينئذٍ يحمل على خصوص السبب. قال ابن الهمام في فتح القدير: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس من البر الصيام في السفر، محمول على أنهم استضروا به، بدليل ما ورد في صحيح مسلم في لفظ: إن الناس قد شق عليهم الصوم، والعبرة وإن كان لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لكن يحمل عليه دفعاً للمعارضة بين الأحاديث، الخ. فإذا عرفت هذا فاعلم أنه لو يحمل قوله: {وإذا قرئ القرآن} على عمومه لزم التعارض والتناقض بينه وبين قوله تعالى: {فاقرؤا ما تيسر من القرآن} [٧٣: ٢٠] وأحاديث القراءة خلف الإمام، ولو يحمل على خصوص السبب يندفع التعارض، فحينئذٍ يحمل على خصوص السبب. ولو تنزلنا واعتبرنا عموم لفظها بل سلمنا أن فيها الخطاب مع المسلمين فعلى هذا التقدير أيضاً الاستدلال بها على منع القراءة خلف الإمام في الجهرية أو مطلقاً ليس بصحيح لوجوه كثيرة: منها أن هذه الآية ساقطة عن الاستدلال عند الحنفية كما صرحوا به في كتب الأصول، ففي نور الأنوار (ص١٩١) : وحكمها بين الآيتين المصير إلى السنة؛ لأن الآيتين إذا تعارضتا تساقطتا فلا بد للعمل من المصير إلى ما هو بعده وهو السنة، ولا يمكن المصير إلى الآية الثالثة؛ لأنه يفضي إلى الترجيح بكثرة الأدلة وذلك لا يجوز، ومثاله قوله تعالى: {فاقرؤا ما تيسر من القرآن} مع قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} فإن الأول بعمومه يوجب القراءة على المقتدي، والثاني بخصوصه ينفيه، وقد وردا في الصلاة جميعاً فتساقطا، فيصار إلى حديث بعده، وهو قوله - عليه السلام -: من كان له إمام فقرأه الإمام له قراءة- انتهى. وقال مسعود بن عمر سعد الدين التفتازاني- الذي جعله طائفة حنفياً كابن نجيم وعلي القاري، وجعله بعضهم شافعياً كصاحب كشف الظنون والكفوي والسيوطي- في التلويح حاشية التوضيح شرح التنقيح، في باب المعارضة والترجيح: مثال المصير إلى السنة عند تعارض الآيتين قوله تعالى: {فاقرؤا ما تيسر من القرآن} وقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} تعارضنا فصرنا إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من كان له إمام فقراءه الإمام له قراءة- انتهى. ومنها أن الآية إنما أمرت باستماع القرآن والإنصات له، وهذا لا يقتضي وجوب سكوت المقتدي مطلقاً بأن لا يقرأ في نفسه أيضاً، فإن الإنصات هو ترك الجهر، والعرب يسمى تارك الجهر منصتاً وإن كان يقرأ في نفسه وسرا إذا لم يسمع أحد قراءته، وقد حقق ذلك البيهقي في كتاب القراءة، وعلى هذا فالدليل غير مثبت للمرام، والتقريب غير تام، وقد يقرر هذا الوجه بأن قوله: {وإذا قرئ القرآن} الخ، إنما ينفي القراءة خلف الإمام جهرا ويرفع الصوت، فإنها تشغل عن استماع القرآن، وأما القراءة خلفه في النفس وبالسر فلا ينفيها، فإنها لا تشغل عن الاستماع فنحن نقرأ الفاتحة خلف الإمام عملاً بأحاديث القراءة خلف

<<  <  ج: ص:  >  >>