للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإمام في النفس وسراً، ونستمع القرآن عملاً بقوله: {وإذا قرئ القرآن} والإشغال بأحدهما لا يفوت الآخر، ألا ترى أن الفقهاء الحنفية يقولون: إن استماع الخطبة يوم الجمعة واجب لقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن} ومع هذا يقولون إذا قرأ الخطيب: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} [٣٣: ٥٦] فيصلي السامع في النفس وسراً. ومنها أن كتب المذاهب الثلاثة الشافعية والمالكية والحنابلة قد صرحت بجواز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد عند الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة كما في المحصول، والمختصر، وشرحه للعضد، وشرح الأسنوي على المنهاج للقاضي البيضاوي، والمستصفى، وروضة الناظر، وإرشاد الفحول، وغيرها، فلو سلمنا أن قوله: {وإذا قرئ القرآن} عام فحديث عبادة أخص منه، فيخص به عموم الآية، وتحمل على ما عدا الفاتحة، أو على غير المقتدي. قال الرازي في تفسيره: السؤال الثالث وهو المعتمد أن تقول: الفقهاء أجمعوا على أنه يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، فهب أن عموم قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} يوجب سكوت المأموم عند قراءة الإمام إلا أن قوله - عليه السلام -: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. وقوله: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. أخص من ذلك العموم، وثبت أن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لازم فوجب تخصيص هذه الآية بهذا الخبر، وهذا السؤال حسن انتهى. وفي تفسير النيسابوري: وقد سلم كثير من الفقهاء عموم اللفظ. إلا أنهم جوزوا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، وذلك ههنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب- انتهى. ومنها أن الآية لا تدل إلا على وجوب الاستماع والإنصات أي السكوت له، وهذا مختص بالجهرية لا يتعدى إلى غيرها، فإن الاستماع والسكوت له لا يكون في السرية، فلو سلم أن هذه الآية تدل على منع القراءة خلف الإمام فإنما تدل على المنع في الجهرية دون السرية فيكون المدعى عاماً والدليل خاصاً. ومنها أن الآية لا تدل إلا على وجوب الإنصات حال قراءة الإمام لاستماعه، لا على السكوت مطلقاً؛ لأن المأمور في الآية الاستماع والإنصات، والاستماع لا يمكن وجوده إلا حال القراءة، والإنصات ليس عبارة عن السكوت مطلقاً بل عن سكوت مستمع. قال الرازي في تفسيره: الإنصات سكوت مع استماع، ومتى انفك أحدهما عن الآخر لا يقال له إنصات. قال تعالى: {فاستمعوا له وأنصتوا} . وقال العيني في شرح البخاري: الإنصات هو السكوت مع الإصغاء. وقال محمد بن أبي بكر الرازي في جواهر القرآن: "أنصتوا" اسكتوا سكوت مستمعين. يقال: نصت وأنصت وأنصت له، كله بمعنى واحد، أي سكت مستمعاً. وقال الجزري في النهاية: قد تكرر ذكر الإنصات في الحديث، يقال أنصت ينصت إنصاتاً. إذا سكت سكوت مستمع. وقال الفتني في مجمع البحار: باب الإنصات للعلماء، أي السكوت والاستماع لأجل ما يقولون- انتهى. ومثله كثير في كتب اللغة، وغريب القرآن، والحديث، وشروح الحديث، فلا وجود للإنصات أيضاً إلا حال القراءة، فالقول بأن الاستماع في الجهرية والإنصات بمعنى السكوت في السرية باطل،

<<  <  ج: ص:  >  >>